الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: تعريف النسخ
النسخ لغة (1) : النقل، يقال: نسخت الكتاب؛ أي: نقلته.
والنسخ الإزالة: يقال نسخت الشمس الظل؛ أي: أزالته.
(وفي اصطلاح المتقدمين - عند السلف - معناه: البيان (2) .
فيشمل تخصيص العام (3) ، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته وهو ما يعرف - عند المتأخرين - بالنسخ.
قال ابن القيم:
"قلت: مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة -وهو اصطلاح المتأخرين- ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخًا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو: بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارج عنه ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر" (4) .
(والنسخ في اصطلاح المتأخرين (5) : "رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخٍ عنه"، أو يقال:"رفع الحكم الشرعي بخطاب متراخٍ"، لأن الحكم
(1) انظر: "المصباح المنير"(602، 603) .
(2)
انظر: "الاستقامة"(1/23) ، و"مجموع الفتاوى"(13/29، 272، 14/101) ، و"إعلام الموقعين"(1/35، 2/316) .
(3)
انظر (ص 421، 322) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالفرق بين التخصيص والنسخ.
(4)
"إعلام الموقعين"(1/35) .
(5)
انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/80) ، و"روضة الناظر"(1/190) ، و"قواعد الأصول"(71) ، و"مختصر ابن اللحام"(136) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/526) ، و"مذكرة الشنقيطي"(66) .
الثابت بخطاب متقدم إنما هو الحكم الشرعي.
وقد اشتمل هذا التعريف على القيود الآتية (1) :
الأول: أن النسخ رفْع لأصل الحكم وجملته بحيث يبقى الحكم بمنزلة ما لم يُشرع ألبتة، وليس تقييدًا أو استثناءً أو تخصيصًا.
الثاني: أن النسخ رفع للحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم، وليس رفعًا لحكم البراءة الأصلية الثابت بدليل العقل، كإيجاب الصلاة فإنه رافع لحكم البراءة الأصلية وهو عدم وجوبها، فهذا لا يسمى نسخًا.
الثالث: أن النسخ رفع للحكم الشرعي بخطاب شرعي ثان، وهذا احتراز عما رفع بغير خطاب؛ كزوال الحكم الشرعي بالموت، أو الجنون، ونحو ذلك.
الرابع: أن النسخ رفع بخطاب شرعي ثانٍ متراخٍ عن الخطاب الأول، أما إذا اتصل الخطاب الثاني بالخطاب الأول ولم يتراخ عنه فإنه يكون تخصيصًا له وبيانًا ولا يكون نسخًا، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97]، فالتقييد بالمستطيع ليس نسخًا لوجوب الحج على الناس: المستطيع منهم وغير المستطيع؛ إنما هو استثناء وتخصيص.
وهذه القيود إن وجدت، وُجدتْ حقيقةُ النسخ ومعناه، أما إذا اختل شيء من هذه القيود فإن حقيقة النسخ ترتفع، وهذه الحالة:
* إما أن تكون تقييدًا وبيانًا: وذلك إذا لم يرفع أصلُ الحكم وجملتُه بل رُفع بعضه أو تغيرت صفته بزيادة شرط، أو قيد، أو مانع.
* أو حكمًا جديدًا: وذلك إذا لم يكن المرفوع حكمًا شرعيًا، بل كان المرفوع حكم البراءة الأصلية.
* أو إسقاطًا وإلغاءً: وذلك إذا ارتفع الحكم بدون خطاب ثانٍ بل ارتفع بسبب الموت ونحوه.
(1) انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/80) ، و"روضة الناظر"(1/190 – 193) ، و"قواعد الأصول"(71) ، و"إعلام الموقعين"(2/316، 317، 319) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/527، 528) ، و"مذكرة الشنقيطي"(66، 67) .