الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
قواعد في الحكم الشرعي
هذه القواعد بعضها يقرر بعضًا، وينتج بعضها عن بعض، وقد اشتملت هذه القواعد على خصائص الحكم الشرعي ومعالمه، وتضمنت الإشارة إلى أصوله وضوابطه.
قد يعبر عن الحكم الشرعي بالأمر والنهي؛ ذلك لأن الأحكام الشرعية لا تخرج عن الأمر والنهي، ولذلك أيضًا يعبر بالإيجاب والتحريم عن الحكم الشرعي أما المندوب فهو تابع للواجب؛ إذ كلاهما مأمور به، وكذا المكروه فهو تابع للمحرم؛ إذ كلاهما منهي عنه، ثم إن كلا من المندوب والمكروه لا جزم فيه، ولا يترتب عليه عقاب، فبالنظر إلى ترتب العقاب اجتمع الحكمُ الشرعي في الواجب الذي يترتب على تركه عقاب، وفي المحرم الذي يترتب على فعله عقاب.
وقد يعبر عن الحكم الشرعي: بالحلال والحرام، إذ الحلال - كما تقدم (1) - يقصد به: ما أذن في فعله، وذلك يشمل: الواجب، والمندوب، والمكروه، والمباح.
وقد يعبر عن الحكم الشرعي بالواجب، والمندوب، والمكروه، والحرام، وذلك بالنظر إلى الطلب والاقتضاء، فالمباح بذلك يخرج عن الحكم الشرعي (2) ؛ إذ لا اقتضاء فيه ولا طلب، لكن سبق التنبيه على أن إدخاله تحت الأحكام الشرعية إنما كان على وجه المسامحة وإكمال القسمة (3) ، وقد يعبر عن الحكم الشرعي بالأمر فقط (4) ، وذلك بناءً على أن النهي فرع عن الأمر؛ إذ الأمر هو الطلب، وهذا يشمل الترك وهو النهي (5) ، وهذا أيضًا مبني على أن المندوب والمكروه تابعان للواجب والحرام على ما سبق. وكثيرًا ما يعبر بالحكم الشرعي عن الحكم التكليفي، مع أن الحكم الشرعي ذو شطرين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي، لأن تسمية الحكم الوضعي حكمًا فيها تجوز وتساهل؛ إذ الحكم الشرعي خطاب الشارع، والخطاب يتضمن ولا بد أمرًا أو
(1) انظر (ص307) تعليق رقم (3) من هذا الكتاب.
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(10/461) .
(3)
انظر (ص307) من هذا الكتاب.
(4)
انظر: "مجموع الفتاوى"(10/456، 457) .
(5)
انظر (ص 299) من هذا الكتاب.
نهيًا، وهذا هو الحكم التكليفي، أما نصب الشارع علامات للدلالة على حكمه فهذه العلامات من أسباب وشروط وموانع إنما هي بيان وإظهار لهذا الحكم وإخبار وإعلام بوجوده أو انتفائه.
وعلى كل فتسمية خطاب الوضع حكمًا وجعله نوعًا من أنواع الحكم الشرعي أمر اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح.
وبذلك يتبين أن الحكم التكليفي هو الأصل وهو المهم، لذا ساغ أن يكون هو المراد عند إطلاق الحكم الشرعي.
2-
أن الحكم الشرعي إنما يؤخذ من الشرع، إذ الحكم لله وحده، ولا يجوز إثبات حكم شرعي بغير الأدلة الشرعية التي جعلها الله طريقًا لمعرفة أحكامه، وهذا أصل عظيم من أصول هذا الدين (1) .
قال ابن تيمية: ".......فلهذا كان دين المؤمنين بالله ورسوله أن الأحكام الخمسة: الإيجاب، والاستحباب، والتحليل، والكراهية، والتحريم، لا يؤخذ إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله "(2) .
3-
إذا علم أن الحكم الشرعي إنما يؤخذ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فالقول على الله بغير علم محرم، كما قال تعالى:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] .
قال الشافعي: «
…
لا أعلم أحدًا من أهل العلم رخص لأحدٍ من أهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالمًا بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، لتفصيل المشتبه» (3) .
وقال ابن قدامة: «......أنا نعلم بإجماع الأمة قبلهم على أن العالم ليس له الحكم بمجرد هواه وشهوته من غير نظر في الأدلة.........» (4) .
(1) انظر: "إعلام الموقعين"(1/50، 51) ، و"أضواء البيان"(7/162 - 173) .
(2)
"مجموع الفتاوى"(22/226) .
(3)
"إبطال الاستحسان"(37) .
(4)
"روضة الناظر"(1/409، 410) .
وقد خصص ابن القيم فصلاً لهذه المسألة في كتابه القيم «إعلام الموقعين» ، فقال:«ذكر تحريم الإفتاء في دين الله بغير علم، وذكر الإجماع على ذلك» (1) .
4-
أن الأحكام الشرعية مبنية على تحقيق مصالح الناس وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها (2) .
قال ابن القيم: «
…
فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها.
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها» (3) .
5-
أن الأحكام الشرعية مبنية على تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما ودفع أعلى المفسدتين وإن وقع أدناهما (4) .
ومن الأمثلة على ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء الكعبة (5) لما في إبقائه من تأليف القلوب (6) .
6-
تبين مما مضى أن مقصود الشارع من جميع الأوامر والنواهي تحصيل المصلحة والمنفعة، أما ما يترتب على ذلك من مشقة فليس بمقصود للشارع.
قال ابن تيمية: «....... وأمرنا بالأعمال الصالحة لما فيها من المنفعة
(1)"إعلام الموقعين"(2/184) . وانظر (1/38 - 44) منه.
(2)
انظر (ص 234) من هذا الكتاب.
(3)
"إعلام الموقعين"(3/3) .
(4)
المصدر السابق (3/279) .
(5)
ورد ذلك في حديث رواه البخاري (6/407) برقم (3368) .
(6)
انظر: "مجموع الفتاوى"(22/407) وللاستزادة من الأمثلة. انظر: "مجموع الفتاوى"(25/272، 273) ، و"إعلام الموقعين"(3/4) وما بعدها.