الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالخوض فيه فضول، فلا حاجة إلى التطويل» (1) .
المسألة الثالثة
الأسماء الشرعية
والكلام على هذه المسالة في أربع نقاط:
أولاً: تنقسم الألفاظ إلى أربعة أقسام (2) :
حقيقة وضعية أو لغوية، وحقيقة شرعية، وحقيقة عرفية، ومجاز.
ووجه الحصر في الأقسام الأربعة:
أن اللفظ إما أن يبقى على أصل وضعه: فهذه هي الحقيقة الوضعية، أو يغير عنه ولا بد أن يكون هذا التغيير من قبل الشرع، أو من قبل عرف الاستعمال، أو من قبل استعمال اللفظ في غير موضعه لعلاقة بقرينة.
فإن كان تغييره من قبل الشرع فهو الحقيقة الشرعية، وإن كان من قبل عرف الاستعمال فهو الحقيقة العرفية، وإن كان من قبل استعمال اللفظ في غير موضعه لدلالة القرينة فهو المجاز (3) .
مثال الحقيقة الوضعية:
«أسد» فإنه يطلق في أصل الوضع على الحيوان المفترس، فإن استعمل في غير ما وضع له فهو المجاز؛ مثل إطلاق لفظ «أسد» على الرجل الشجاع.
ومثال الحقيقة الشرعية: لفظ الصلاة والصيام والحج، فإنها تطلق ويراد بها تلك العبادات المعروفة، مع أن لهذه الألفاظ معاني أخرى في أصل وضعها اللغوي، فالصلاة: الدعاء، والصيام: الإمساك، والحج: القصد.
(1)"روضة الناظر"(2/3) ، وقد تم تصويب الكلام من كتاب "المستصفى"(261) إذ عبارة الروضة فيها بعض الاضطراب.
(2)
انظر: "روضة الناظر"(2/8) وما بعدها، و"قواعد الأصول"(50، 51) ، و"شرح الكوكب المنير"(1/149، 150) ، و"مذكرة الشنقيطي"(174، 175) .
(3)
تقدم الكلام على المجاز انظر (ص110) من هذا الكتاب.
ومثال الحقيقة العرفية: لفظ الدابة، فإنه يطلق ويراد به عرفًا ذوات الأربع من الحيوان، مع أن معناه الأصلي في اللغة يشمل كل ما يدب على الأرض.
ثانيًا: اختلف الأصوليون في الأسماء الشرعية (1) :
وذلك على أقوال:
1-
أن الشارع نقلها عن مسماها في اللغة؟
2-
أنها باقية على ما كانت عليه في اللغة إلا أن الشارع زاد في أحكامها؟
3-
أن الشارع تصرف فيها تصرف أهل العرف؛ فهي بالنسبة إلى اللغة مجاز، وبالنسبة إلى عرف الشارع حقيقة؟
وهذا الخلاف يعود إلى اللفظ إذا حصل الاتفاق على وجوب الرجوع إلى بيان الشارع لهذه الأسماء وتفسيره لها (2) .
قال ابن تيمية: «والاسم إذا بين النبي صلى الله عليه وسلم حد مسماه لم يلزم أن يكون قد نقله عن اللغة أو زاد فيه، بل المقصود أنه عُرف مراده بتعريفه هو صلى الله عليه وسلم كيف ما كان الأمر، فإن هذا هو المقصود.
وهذا كاسم الخمر فإنه قد بين أن كل مسكر خمر (3)، فعرف المراد بالقرآن. وسواء كانت العرب قبل ذلك تطلق لفظ الخمر على كل مسكر أو تخص به عصير العنب: لا يحتاج إلى ذلك؛ إذ المطلوب معرفة ما أراد الله ورسوله بهذا الاسم. وهذا قد عرف ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم» (4) .
(1) انظر: "روضة الناظر"(2/10 – 14) ، و"مجموع الفتاوى"(7/298) ، و"إعلام الموقعين"(2/173) .
(2)
وذلك دون تفريق بين الألفاظ الدينية كالإيمان والكفر، وغير الدينية كالصلاة والحج، وعلى ذلك اتفق السلف. إلا أن الخلاف السابق يعود إلى المعنى بالنظر إلى طريقة أهل البدع الذين يعرضون عن بيان الشارع وتفسيره للأسماء الشرعية الدينية – على وجه الخصوص – وهي الألفاظ المتعلقة بأصول الدين.
مثال ذلك: أن المرجئة جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق.
انظر: "المستصفى"(264) ، و"مجموع الفتاوى"(7/289، 298) .
(3)
ورد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام» . رواه مسلم (13/172) .
(4)
"مجموع الفتاوى"(19/236) .
ثالثًا: أن بيان الشارع لألفاظه وتفسيره لها مقدم على أي بيان (1) .
قال ابن تيمية: «ومما ينبغي أن يُعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عُرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم» (2) .
وقال أيضًا: «فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانًا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك.
فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله فإنه شافٍ كافٍ» (3) .
وقد بين رحمه الله أن طريقة أهل البدع إنما هي تفسير ألفاظ الكتاب والسنة برأيهم وبما فهموه وتأولوه من اللغة، والإعراض عن بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهم يعتمدون على العقل واللغة وكتب الأدب (4) .
رابعًا: إذا عُلم أن بيان الشرع لألفاظه مقدم على كل بيان فالواجب ملاحظة أربعة أمور في هذا المقام:
الأمر الأول: معرفة حدود هذه الألفاظ، والوقوف عند هذا الحد؛ بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه، ولا يخرج منه شيء من موضوعه.
(1) خطاب الشارع وألفاظه تحمل على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر حمله عليها فتحمل على الحقيقة العرفية، ثم الحقيقة اللغوية، ثم المجاز إن دلت عليه قرينة. انظر:"روضة الناظر"(2/14) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/435، 436) ، و"مذكرة الشنقيطي"(174، 175) .
(2)
"مجموع الفتاوى"(7/286) .
(3)
المصدر السابق (7/287) .
(4)
مثال ذلك – وقد تقدم ذكره في الصفحة السابقة تعليقًا – أن المرجئة جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق. انظر المصدر السابق (7/116 – 119، 288، 289) .
(5)
"إعلام الموقعين"(1/266) .
وقد ذكر رحمه الله أن تعدي حدود الله يكون من جهتين:
1-
من جهة التقصير والنقص.
2-
من جهة تحميل اللفظ فوق ما يحتمل والزيادة عليه.
فالأول: كإخراج بعض الأشربة المسكرة عن شمول اسم الخمر لها، فهذا تقصير به وهضم لعمومه، والحق ما قاله صاحب الشرع:«كل مسكر خمر» (1) . وفي هذا غنية عن القياس أيضًا.
والثاني: كإدخال بعض صور الربا في التجارة المباحة بحيلة من الحيل، فهذا إدخال ما ليس من اللفظ فيه، وهو يقابل التقصير (2) .
الأمر الثاني: حمل ألفاظ الكتاب والسنة على عادات عصره صلى الله عليه وسلم وعلى اللغة والعرف السائدين وقت نزول الخطاب، ولا يصح أن تحمل هذه الألفاظ على عادات حدثت فيما بعد، أو اصطلاحات وضعها المتأخرون من أهل الفنون (3) .
قال ابن تيمية: «ولا يجوز أن يحمل كلامه [أي الرسول صلى الله عليه وسلم] على عاداتٍ حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه، كما يفعله كثير من الناس وقد لا يعرفون انتفاء ذلك في زمانه» (4) .
وقال أيضًا: «فبتلك اللغة والعادة والعرف خاطبهم الله ورسوله لا بما
(1) رواه مسلم في صحيحه (13/172) ، والحديث تقدم ذكره في (ص373) تعليق رقم (3) من هذا الكتاب.
(2)
انظر: "إعلام الموقعين"(1/220) ، و"زاد المهاجر إلى ربه"(10) .
(3)
انظر: "مفتاح دار السعادة"(2/271، 272)، ويمكن التمثيل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» . فقد استدل بذلك على أن ما أدركه المسبوق هو آخر صلاته؛ لأن القضاء يطلق على فعل ما فات. مع أن هذه الرواية مخالفة لرواية (فأتموا) . انظر: "بداية المجتهد"(1/233) ، "نيل الأوطار"(3/134، 135) ، و"مذكرة الشنقيطي"(49) .
وانظر فيما يتعلق بتفاوت الاصطلاحات بين السلف المتقدمين والأصوليين المتأخرين المواضع الآتية من هذا الكتاب: أ- النسخ (ص246) ، ب- الكراهة (ص307) ، ج- التأويل (ص385) ، د- المجمل (ص388) ، هـ- الاستثناء (ص425، 426) تعليقًا.
(4)
"مجموع الفتاوى"(7/115) .