الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: الصحة والفساد
وفي هذه المسألة ثمان نقاط:
1-
المراد بالصحة في العبادات (1) : سقوط القضاء بمعنى أنه لا يُحتاج إلى فعل العبادة مرة ثانية، وهذا هو الإجزاء، ولا تكون العبادة مجزيةً مسقطةً للقضاء إلا إذا كانت موافقة لأمر الشارع (2) .
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (3) .
قال ابن رجب (4) : "فهذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمراد بأمره ههنا: دينه وشرعه....... فالمعنى إذن:
أن من كان عمله خارجًا عن الشرع ليس متقيدًا بالشرع فهو مردود" (5) .
وقال أيضًا:
"فمن كان عمله جاريًا تحت أحكام الشرع موافقًا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجًا عن ذلك فهو مردود.
(1) انظر: "روضة الناظر"(1/165، 166) ، و"مجموع الفتاوى"(11/349) ، و"شرح الكوكب المنير"(1/465) ، و"مذكرة الشنقيطي"(44، 45) .
(2)
الصحة في العبادات عند المتكلمين: موافقة أمر الشارع ولو لم يسقط القضاء. وعند الفقهاء: سقوط القضاء بحيث لا يحتاج إلى فعلها مرة ثانية.
وبناءً على ذلك فصلاة من ظن الطهارة صحيحة على قول المتكلمين، فاسدة على قول الفقهاء، فالمتكلمون نظروا إلى ظن المكلف، والفقهاء نظروا لما في نفس الأمر.
وقد اتفق الفريقان على وجوب القضاء فيكون الخلاف بينهما لفظيًا، إذ يرى المتكلمون - وهم القائلون بصحة صلاة من ظن الطهارة - أن القضاء وجب بأمر جديد.
نظر: "شرح الكوكب المنير"(1/465 - 467) ، و"مذكرة الشنقيطي"(44، 45) .
(3)
تقدم تخريجه، انظر (ص188) من هذا الكتاب.
(4)
هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، زين الدين أبو الفرج، الفقيه الحنبلي، الحافظ الزاهد، له مؤلفات نافعة، منها:"جامع العلوم والحكم"، و"ذيل طبقات الحنابلة"، توفي سنة (795هـ) . انظر:"الجوهر المنضد"(46) ، و"شذرات الذهب"(6/339) .
(5)
"جامع العلوم والحكم"(1/177) .
والأعمال قسمان: عبادات ومعاملات.
فأما العبادات فما كان منها خارجًا عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى: 21](1) .
2-
المراد بالصحة في المعاملات: ترتب الأثر المقصود من المعاملة، فكل بيع أباح التصرف في المبيع وحقق كمال الانتفاع به فهو صحيح (2) .
3-
بناءً على ما تقدم فالمراد بالفساد (3) في باب العبادات عدم الإجزاء، أو عدم سقوط القضاء، أو عدم موافقة الأمر الشرعي.
وفي باب المعاملات عدم ترتب الأثر المقصود من العقد (4) .
4-
الإثابة والصحة يجتمعان ويفترقان، فيكون العمل صحيحًا مثابًا عليه؛ كالعمل الكامل الذي توفرت شروطه وأركانه ولم تقترن به معصية تخل بالمقصود، وتارة يكون العمل غير صحيح ولكنه يثاب عليه كأنْ يخل بالشروط والأركان، فيُثاب على ما فعل ولا تبرأ ذمتُه، وتارة أخرى يكون صحيحًا لكن لا ثواب عليه وذلك إذا أتى بالمأمور على الوجه المطلوب لكن اقترنت به معصية تُخل بالمقصود (5) .
5-
الكمال (6) في العبادة نوعان (7) :
أ- الكمال الواجب: وهو أن يقتصر في العبادة على الواجب منها، وهذا
(1)"جامع العلوم والحكم"(1/177، 178) .
(2)
انظر: "روضة الناظر"(1/165، 166) ، و"شرح الكوكب المنير"(1/467) ، و"مذكرة الشنقيطي"(45) .
(3)
الفساد والبطلان مترادفان عند الجمهور فهما يقابلان الصحة الشرعية سواء كان ذلك في العبادات أوالمعاملات. انظر: "شرح الكوكب المنير"(1/473) .
(4)
انظر: "روضة الناظر"(1/166، 167) ، و"شرح الكوكب المنير"(1/473) ، و"مذكرة الشنقيطي"(45، 46) .
(5)
انظر: "مجموع الفتاوى"(19/303، 305) وانظر (ص 404، 405) من هذا الكتاب.
(6)
مما يتصل بالصحة والفساد الكمال والنقص.
(7)
انظر: "مجموع الفتاوى"(19/290 – 293) .
كمال المقتصدين.
ب- الكمال المستحب: وهو أن يؤتي في العبادة بالمستحب، وهذا كمال المقربين.
6-
النقص في العبادة نوعان (1) :
فقد يراد بالنقص نقص بعض الواجبات، وقد يراد به ترك بعض المستحبات وذلك مثل قول الفقهاء: الغسل ينقسم إلى كامل ومجزئ، يريدون بالمجزئ الاقتصار على الواجب، وبالكامل ما أتي فيه بالمستحب في العدد والقدر والصفة، وغالب استعمال الفقهاء تفسيرُ الكامل بما كمل بالمستحبات.
أما في عرف الشارع فالكامل: هو ما كمل بالواجبات.
7-
الخلاف الواقع في حرف النفي الداخل على المسميات الشرعية؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له» (2) ؛ هل يحمل على نفي الكمال الواجب أو الكمال المسنون؟.
بيان ذلك: أن كل ما نفاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من مسمى أسماء الأمور الواجبة، كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب من ذلك المسمى (3) .
قال ابن تيمية: "فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه، ويتعرض للعقوبة فقد صدق.
وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله، ولا يجوز أن يقع" (4) .
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(19/290 – 293) .
(2)
رواه أبو داود في "سننه"(1/25) برقم (101) ، وابن ماجه (1/140) برقم (398، 399، 400)، وصححه الألباني. انظر:"صحيح الجامع"(2/1249) برقم (7514، 7515)، ورواه مسلم في صحيحه (3/102) بلفظ:«لا تقبل صلاة بغير طهور» .
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(7/37) .
(4)
"مجموع الفتاوى"(7/15) .