الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الأمر الثاني: لا يشترط في البيان أن يعلمه جميع المكلفين الموجودين في وقته، بل يجوز أن يجهله بعضهم (1) .
البحث الثالث:
حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة:
(لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأن ذلك يؤدي إلى التكليف بما لا يطاق وهو ممتنع شرعًا.
هذا مذهب العلماء (2) ، وجوزه من أجاء التكليف بالمحال إلا أنه وافق على عدم وقوعه (3) .
(أما تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فهو جائز وواقع عند الجمهور.
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 18، 19] ، و «ثم» للتراخي، فدلت على تراخي البيان عن وقت الخطاب.
وكذلك فإن كثيرًا من النصوص العامة ورد تخصيصها بعدها (4) .
(إذا علم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فلا بد أن يفهم هذا على وجهه الصحيح، إذ إن الحاجة قد تدعو إلى تعجيل بيان الواجبات والمحرمات من العقائد والأعمال، وقد تدعو الحاجة إلى تأخير هذا البيان (5) .
(1) انظر: "روضة الناظر"(2/54) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/455، 456)، و"أضواء البيان" (1/99) . وانظر الدليل على ذلك فيما يأتي (ص 433) تعليق رقم (2) من هذا الكتاب: وهو أن فاطمة رضي الله عنها لم تعلم بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث، ما تركناه صدقة» ، الذي بين قوله تعالى:{يوصيكم الله في أولادكم} وخصصه.
(2)
نقل ابن قدامة الإجماع على ذلك فقال: «ولا خلاف في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة» . "روضة الناظر"(2/57) . وانظر: "المسودة"(181) .
(3)
انظر قواعد الأصول: (54) و"مختصر ابن اللحام"(129) و"شرح الكوكب المنير"(3/451، 452) ، و"أضواء البيان"(1/97، 98) ، و"مذكرة الشنقيطي"(185) .
(4)
انظر: "روضة الناظر"(2/57 – 60) ، و"قواعد الأصول"(54، 55) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/453، 454) ، و"أضواء البيان"(1/98، 99) ، و"مذكرة الشنقيطي"(185، 186) .
(5)
انظر: "مجموع الفتاوى"(20/59 – 61) ، و"المسودة"(181، 182) و"شرح الكوكب المنير"(3/452، 453) .
ومن الأمثلة على مشروعية تأخير البيان لأجل الحاجة:
1-
أن المبلغ لا يمكنه أن يخاطب الناس جميعًا ابتداء، فعليه أن يبلغ من يستطيع تبليغه.
2-
أن المبلغ لا يمكنه مخاطبة الناس بجميع الواجبات جملة، بل يبلغ بحسب الطاقة والإمكان على سبيل التدريج، فيبدأ بالأهم ويؤخر غيره.
وكذلك إذا ضاق عليه الوقت.
وهذا التأخير في البيان لبعض الواجبات لا ينفي قيام الحاجة التي هي سبب وجوب البيان، بل الحاجة قائمة إلا أن حصول الوجوب والعقاب على الترك ممتنع لوجود المزاحم الموجب للعجز.
وهذا كالدين على المعسر، أو كالجمعة على المعذور.
3-
أن يكون في الإمهال وتأخير البيان من المصلحة ما ليس في المبادرة؛ إذ البيان إنما يجب على الوجه الذي يحصل به المقصود.
فيكون تأخير البيان هو البيان المأمور به، ويكون هو الواجب أو المستحب، مثل: تأخير النبي صلى الله عليه وسلم البيان للأعرابي المسيء صلاته إلى المرة الثالثة (1) .
وإنما يجب التعجيل إذا خيف الفوت بأن يترك الواجب المؤقت حتى يخرج عن وقته ونحو ذلك.
(فائدة (2) :
أ- كل ما وجب بيانه فالتعريض فيه حرام؛ لأنه كتمان وتدليس، ويدخل في هذا: الإقرار بالحق، والشهادة، والفتيا، والحديث، والقضاء.
ب- وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز بل واجب إذا أمكن ووجب الخطاب.
جـ- وإن جاز بيانه وكتمانه: فحيث كانت المصلحة في كتمانه فالتعريض فيه مستحب، وحيث كانت المصلحة في إظهاره وبيانه فالتعريض مكروه والإظهار مستحب.
وإن تساوت المصلحة في كتمانه وإظهاره جاز التعريض والتصريح.
(1) تقدم تخريجه انظر (ص 339) تعليق رقم (6) من هذا الكتاب.
(2)
انظر: "الفتاوى الكبرى"(6/122) ، و"إعلام الموقعين"(3/235) .