الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعضهم: إن المحكم هو ما اتضح معناه، والمتشابه، هو ما لم يتضح معناه، إما لاشتراك أو إجمال.
وكل هذه الأقوال تدل على معنى واحد، وهو أن التشابه أمر إضافي، فقد يشتبه على هذا ما لا يشتبه على هذا (1) .
3-
طريقة السلف في التعامل مع المحكم والمتشابه:
الواجب على كل أحد أن يعمل بما استبان له، وأن يؤمن بما اشتبه عليه، وأن يرد المتشابه إلى المحكم، ويأخذ من المحكم ما يفسر له المتشابه ويبينه، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها بعضًا، ويصدق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره.
هذه طريقة الصحابة والتابعين في التعامل مع المحكم والمتشابه (2) .
قال ابن تيمية: "والمقصود هنا أن الواجب أن يجعل ما قاله الله ورسوله هو الأصل، ويتدبر معناه ويعقل....ويعرف دلالة القرآن على هذا وهذا.
وتجعل أقول الناس التي قد توافقه وتخالفه متشابهة مجملة، فيقال لأصحاب هذه الألفاظ: يَحتمل كذا وكذا، ويَحتمل كذا وكذا؛ فإن أرادوا بها ما يوافق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم قبل، وإن أرادوا بها ما يخالفه رُد" (3) .
وفي هذا المقام تنبهات مهمة:
1-
اتفق العلماء على أن
ليس في القرآن ما لا معنى له
(4) .
2-
اتفق السلف على أن جميع ما في القرآن مما يفهم معناه، ويمكن إدراكه بتدبر وتأمل، وأنه ليس في القرآن ما لا يمكن أن يعلم معناه أحد.
قال ابن تيمية: "ولا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة لا يعلمون
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(17/386) .
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(17/386) ، و"إعلام الموقعين"(2/294) .
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(13، 145، 146)، وانظر:"شرح العقيدة الطحاوية"(224، 225) .
(4)
انظر: "مجموع الفتاوى"(13/286، 17/390) ، و"مختصر ابن اللحام"(73) ، و"شرح الكوكب المنير"(2/143، 144) .
معناه، كما يقول ذلك من يقوله من المتأخرين، وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ" (1) .
وقال أيضًا: "والدليل على ما قلناه إجماع السلف؛ فإنهم فسروا جميع القرآن.....وكلام أهل التفسير من الصحابة والتابعين شامل لجميع القرآن، إلا ما قد يشكل على بعضهم فيقف فيه، لا لأن أحدًا من الناس لا يعلمه، لكن لأنه هو لا يعلمه.
أيضًا فإن الله قد أمر بتدبر القرآن مطلقًا، ولم يستثن منه شيئًا لا يتدبر، ولا قال: لا تدبروا المتشابه....
ولأن من العظيم أن يقال: إن الله أنزل على نبيه كلامًا لم يكن يفهم معناه، لا هو ولا جبريل عليه السلام....
وأيضًا فالكلام إنما المقصود به الإفهام؛ فإذا لم يقصد به ذلك كان عبثًا وباطلاً، والله تعالى قد نزه نفسه عن فعل الباطل والعبث....
وبالجملة فالدلائل الكثيرة توجب القطع ببطلان قول من يقول: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها الرسول ولا غيره.
نعم قد يكون في القرآن آيات لا يعلم معناها كثير من العلماء فضلاً عن غيرهم، وليس ذلك في آية معينة، بل قد يشكل على هذا ما يعرفه هذا، وذلك تارة يكون لغرابة اللفظ، وتارة لاشتباه المعنى بغيره، وتارة لشبهة في نفس الإنسان تمنعه من معرفة الحق، وتارة لعدم التدبر التام، وتارة لغير ذلك من الأسباب" (2) .
3-
اتفق السلف على أن في القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله، كالروح، ووقت الساعة، والآجال، وهذا قد يسمى بالمتشابه (3) .
والمراد بالتأويل (4) الذي لا يعلمه إلا الله: معرفة الشيء على حقيقته وما يؤول إليه، أما التأويل بالمعنى الآخر: وهو تفسير الشيء ومعرفة معناه، فهذا مما
(1)"مجموع الفتاوى"(17/390) .
(2)
المصدر السابق (17/ 395 - 400) .
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(13/144) ، و"شرح الكوكب المنير"(2/149) .
(4)
انظر (ص385) من هذا الكتاب فيما يتعلق بمعاني التأويل.