الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
الغضبان، هل هو مكلف
؟ فيه تفصيل.
قال ابن القيم: «الغضب على ثلاثة أقسام» (1) :
أحدها: ما يزيل العقل، فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
الثاني: ما يكون في مباديه، بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه.
الثالث: أن يستحكم ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه" (2) .
8-
السكران هل هو مكلف
؟
وقد اختلف العلماء في السكران (4) حال سكره هل هو مكلف تصح منه تصرفاته؟. قال ابن تيمية: «مسألة في تصرفات السكران؟ قد تنازع الناس (5)
(1) هذا التقسيم نقله ابن القيم عن شيخه ابن تيمية. انظر: "إعلام الموقعين"(4/50) .
(2)
"زاد المعاد"(5/215) . وانظر للاستزادة كتاب: "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" لابن القيم، و"إعلام الموقعين"(3/52 – 54) .
(3)
"المغني"(2/52) .
(4)
حد السكر الذي وقع الخلاف في صاحبه: هو الذي يجعله يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره، ونعله من نعل غيره ونحوه، ولا يشترط فيه بحيث لا يميز بين السماء والأرض، وبين الذكر والأنثى. ذلك لأن الله تعالى يقول:{حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43]، فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول. انظر:"المغني"(10/438) ، و"القواعد والفوائد الأصولية"(38) ، و"شرح الكوكب المنير"(1/507، 508) .
(5)
الخلاف واقع في السكران الذي لا يعلم ما يقول وفي النشوان، وفيمن يعذر بسكره وفيمن لا يعذر. انظر:"الفتاوى الكبرى"(4/202، 205) ، و"القواعد والفوائد الأصولية"(38) ، و"مذكرة الشنقيطي"(31) .
فيه قديمًا وحديثًا، وفيه النزاع في مذهب أحمد وغيره....» (1) .
وقد اختار رحمه الله أن تصرفات السكران لا تصح (2) وذكر لذلك أدلة (3) منها:
أ- أن عبادته كالصلاة لا تصح بالنص والإجماع، فإن الله نهى عن قرب الصلاة مع السكر حتى يعلم ما يقوله، واتفق الناس على هذا، فكل من بطلت عبادتُه لعدم عقله فبطلان عقوده أولى وأحرى، كالنائم والمجنون.
ب- أن جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل ليس لكلامه في الشارع اعتبار أصلاً، كما قال صلى الله عليه وسلم:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (4) . فإذا كان القلب قد زال عقله الذي به يتكلم ويتصرف فكيف يجوز أن يجعل له أمر أو نهي أو إثبات ملك أو إزالته؟
وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له.
جـ- أن كون السكران معاقبًا أو غير معاقب ليس له تعلق بصحة عقوده وفسادها؛ فإن العقود ليست من باب العبادات التي يثاب عليها، ولا الجنايات التي يعاقب عليها، بل هي من التصرفات التي يشترك فيها البر والفاجر والمؤمن والكافر، وهي من لوازم وجود الخلق؛ فإن العهود والوفاء بها أمر لا تتم مصلحة الناس إلا به وإنما تصدر عن العقل، فمن لم يكن له عقل ولا تمييز لم يكن قد عاهد ولا حلف ولا باع ولا نكح ولا طلق ولا أعتق.
(1)"الفتاوى الكبرى"(4/202) . وانظر: "المغني"(10/346 – 348) ، و"القواعد والفوائد الأصولية"(37 – 39) ، و"شرح الكوكب المنير"(1/505 – 508) .
(2)
وقد بوب لذلك الإمام البخاري في صحيحه فقال: "باب الطلاق في الإغلاق والكره، والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم «الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى» (9/388) .
واختار ابن القيم ذلك فقال: "والصحيح أنه لا عبرة بأقواله من طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا هبة ولا وقف ولا إسلام ولا ردة ولا إقرار، لبضعة عشر دليلاً ليس هذا موضع ذكرها". "إعلام الموقعين"(4) .
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(33/106 – 108 و14/115 – 118) .
(4)
رواه البخاري (1/126) برقم (52) ، ومسلم (11/26) وستأتي قطعة من هذا الحديث في (ص 493) من هذا الكتاب.