الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم صحة ذلك.
ولكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال" (1) .
وبذلك يتبين أن الخلاف في الاحتجاج بالمصلحة المرسلة خلاف لفظي؛ لأن الجميع متفق على أن تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها أصل شرعي ثابت إلا أن الخلاف وقع في تسمية العمل بهذا الأصل والالتفات إلى تحقيقه - فيما لم يرد باعتباره أو إلغائه دليل خاص - مصلحة مرسلة (2) .
فبعضهم يسمي ذلك مصلحة مرسلة، وبعضهم يسمي ذلك قياسًا (3) ، أو عمومًا، أو اجتهادًا، أو عملاً بمقاصد الشريعة.
ومما يقرر كون الخلاف لفظيًا أن المثبتين للمصلحة المرسلة إنما يقولون بها وفق الضوابط الآتية:
المسألة الرابعة: ضوابط الأخذ بالمصلحة المرسلة عند القائلين بها
الأول: ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع (4) .
الثاني: أن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة (5) .
(1)"المصالح المرسلة للشنقيطي"(21) . وانظر: "مذكرة الشنقيطي"(170) .
(2)
انظر: "روضة الناظر"(1/415) ، و"مجموع الفتاوى"(11/343) ، و"قواعد الأصول"(78) ، و"مختصر ابن اللحام"(163) ، و"شرح الكوكب المنير"(4/433) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"(138) ، و"المصالح المرسلة" للشنقيطي (10) .
(3)
الفرق بين القياس والمصلحة المرسلة أن القياس يرجع إلى أصل معين بخلاف المصلحة فإنها لا ترجع إلى أصل معين، بل إلى أصل كلي. انظر:"شرح الكوكب المنير"(4/170) .
(4)
انظر: "المصالح المرسلة" للشنقيطي (21) .
(5)
انظر: "مجموع الفتاوى"(11/343) .
الثالث: ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود، والمقدرات الشرعية، ويدخل في ذلك الأحكام المنصوص عليها، والمجمع عليها، وما لا يجوز فيه الاجتهاد (1) .
الرابع: ألا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها، وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها (2) .
قال ابن القيم: "فالأعمال إما أن تشتمل على مصلحة خالصة أو راجحة، وإما أن تشتمل على مفسدة خالصة أو راجحة، وإما أن تستوي مصلحتها ومفسدتها.
فهذه أقسام خمسة: منها أربعة تأتي بها الشرائع.
فتأتي بما مصلحته خالصة أو راجحة آمرة به أو مقتضية له.
وما مفسدته خالصة أو راجحة فحكمها فيه النهي عنه وطلب إعدامه.
فتأتي بتحصيل المصلحة الخالصة والراجحة أو تكميلها بحسب الإمكان، وتعطيل المفسدة الخالصة أو الراجحة أو تقليلها بحسب الإمكان.
فمدار الشرائع والديانات على هذه الأقسام الأربعة" (3) .
(1) انظر: "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"(1/330، 331) .
(2)
انظر: "المصالح المرسلة" للشنقيطي (21) .
(3)
"مفتاح دار السعادة (2/14) . وقد ذكر ابن القيم في هذا المقام مسألتين: الأولى: في وجود المصلحة الخالصة والمفسدة الخالصة، انتهى فيها إلى قوله: "وفصل الخطاب في المسألة إذا أريد بالمصلحة الخالصة أنها في نفسها خالصة من المفسدة لا يشوبها مفسدة فلا ريب في وجودها، وإن أريد بها المصلحة التي لا يشوبها مشقة ولا أذى في طريقها والوسيلة إليها ولا في ذاتها فليست موجودة بهذا الاعتبار) . والمسألة الثانية: في وجود ما تساوت مصلحته ومفسدته، اختار فيها عدم وجود هذا القسم في الشريعة وإن حصره التقسيم، ذلك لأن الشيء إما أن يكون حصوله أولى بالفاعل وهو راجح المصلحة، وإما أن يكون عدمه أولى به وهو راجح المفسدة.