الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكن أحدهما أقرب من الآخر لم يحمل المطلق على واحد منهما اتفاقًا كما تقدم (1) .
أما إذا ورد على المطلق قيدان متضادان، وأمكن ترجيح أحدهما على الآخر فيحمل المطلق - عند بعض العلماء - على أرجح القيدين وأشبههما.
مثال ذلك: إطلاق صوم كفارة اليمين عن قيد التتابع في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]، مع تقييد صوم كفارة الظهار بالتتابع في قوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4]، وتقييد صوم التمتع بالتفريق في قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ، فالظهار أقرب لليمين من التمتع؛ لأن كلا منهما كفارة، فيقيد صوم كفارة اليمين بالتتابع حملاً على الصوم في كفارة الظهار المقيد بالتتابع.
المسألة الرابعة: الضابط في حمل المطلق على المقيد
الضابط فيه أن اتفاق حكم المطلق والمقيد يوجب الحمل إجمالاً.
كما أن اختلافه يوجب عدم الحمل إجمالاً.
ذلك أن اتفاق الحكم يدل على قوة الصلة بين الكلاميين - الكلام الذي فيه إطلاق والكلام الذي فيه تقييد - فاعتبرا جملة واحدة يفسر بعضها بعضًا؛ إذ إن الحكم استوفى بيانه في أحد الموضعين ولم يستوف في الموضع الآخر. وهذا أسلوب مألوف عند العرب؛ إذ تطلق في موضع وتقيد في موضع آخر، فيحمل المطلق على المقيد (2) .
فإذا أضيف إلى اتفاق الحكم الاتفاقُ في السبب كان هذا قرينة قوية على وحدة الجملتين وشدة ارتباطهما ببعض وأن المراد بهذه هو المراد بالأخرى (3) .
(1) انظر (ص 439) من هذا الكتاب.
(2)
انظر: «الفقيه والمتفقه» (1/111) ، و «روضة الناظر» (2/194) ، و «مذكرة الشنقيطي» (233) ، و «أضواء البيان» (6/546) .
(3)
انظر: «مجموع الفتاوى» (15/443، 31/100) .
أما إن اتفق الحكمُ فقط وكان السبب مختلفًا فالحمل هنا وارد وهو الأحوط (1) ، لكن يبقى عدم الحمل أمرًا واردًا، وهو الأصل (2) .
أما في حالة اختلاف الحكم فإن هذا الاختلاف يعتبر دليلاً على استقلال كل من الكلامين بحكمه: المطلق بإطلاقه والمقيد بتقييده، والتعارض في مثل هذه الحالة منتفٍ، فيبقى المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، وهذا هو الأصل. ويقوي البقاء على هذا الأصل اختلاف السبب.
أما إن اتفق السبب مع كون الحكم مختلفًا فإن اتفاق السبب قرينةٌ على مخالفة الأصل.
فتعارض في هذه الصورة: عدم الحمل المستفاد من اختلاف الحكم مع الحمل المستفاد من اتفاق السبب؛ فأصبح الحمل وعدمه أمرين واردين فيحتاج إلى اجتهاد العلماء ونظرهم في ترجيح أحد الاحتمالين.
****
(1) وجه الاحتياط أن العمل بالمقيد عمل بالمطلق، أما العمل بالمطلق فإن فيه إهدارًا للمقيد.
(2)
الأصل: أن المطلق يبقى على إطلاقه، والمقيد يبقى على تقييده.