المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وضع التعليم في الزيتونة: - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌وضع التعليم في الزيتونة:

وإن وراء جُدْر العلم كنزاً

من العمران يجدر أن يُداما

ومثلك لا يبصَّر عن ذهول

فإن لكم به حظّاً تسامى (1)

‌وضع التعليم في الزيتونة:

والذي أكّده الباحثون في قضية الإصلاح لن يغنينا ما ورد فيه من سرد لأعمال اللجان التي ظلّت تجتمع على فترات، ولا التصرّفات الإدارية التي واكبت حركة الإصلاح، لكن المهم هو الإشارة إلى جملة من العناصر التي باجتماعها يمكن أن نتصوّر واقع جامع الزيتونة يومئذ.

وهذه العناصر هي:

أولاً: حال التعليم بالجامع الأعظم.

ثانياً: مناداة الطلبة بإصلاح نظام التعليم بالمعهد ومراجعة برامجه.

ثالثاً: التساؤل عن الغاية من هذا التعليم.

أما حال التعليم، فقد بلغ بجامع الزيتونة حداً من الضعف والوهن، قعد به عما كان يحمله للناس في محيطه من علم وهداية ودعوة إلى الله. وقد أُهمل ضبطُ أنشطته واختلَّ نظامه؛ فلا هو مجدَّدُ المناهج، ولا كتب الدراسة فيه مقرّرة، ولا أوقات التعليم به محدّدة، ولا الشيوخ المدرسون مراقَبون في أعمالهم، تصاحب هذا كله الغفلة عن تنظيم درجات التعليم، وإهمالُ الدروس التطبيقية والتمارين، فتعطّلت الملكات اللسانية أو كادت، وقَلَّ التحصيل. وربما زاد من خطورة هذا الوضع قصور الهمم عن التأليف في أي علم. يصوّر لنا هذا بغاية الدقة، وبالغ الأمانة والقدرة على التعليل كتاب الإمام الأكبر أليس الصبح بقريب.

(1) محمد ابن الخوجة. الرحلة الناصرية ط. الرسمية تونس 1331/ 1913.

ص: 37

ذكر شيخنا في طالع أول فقرة من هذا الكتاب مناقشته لأوضاع الدراسة والتعليم بجامع الزيتونة. قائلاً: قد كان حدا بي حادي الآمال، وأملَى عليّ ضميري، من عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، للتفكير في طرق إصلاح تعليمنا العربي الإسلامي الذي أشعرتني مُدة مزاولته متعلماً ومعلماً، بوافر حاجته إلى الإصلاح الواسع النطاق. فعقدت عزمي على تحرير كتاب في الدعوة إلى ذلك وبيان أسبابه، ولم أنشب أن أزجيت بقلمي في ابتداء التحرير

وها أنا ذا متقدم إلى خوض بحر، أرى هول أمواجه قد حاد بعقول كثير من ذوي الألباب فولّوا عنه مدبرين، وتكلّموا في إصلاحات نافعة تضمن مصالح المسلمين، لكنها كلها كانت متوقّفة على هذا المقصد الجليل المغفول عنه، وهو مبدأ إصلاح التعليم.

ويمثل العنصر الثاني: الطلبة الذين انقسموا على أنفسهم طائفتين: الأولى منهم كانت مع شيوخ المعارضة للإصلاح المنازعين فيه، والطائفة الثانية تنشد الإصلاح، معتقدة أنّ فيه المفزع والمخرج من الوضع المهين الذي آل إليه التعليم بالجامع، وتعطل نفع الخريجين ونفع المسلمين به عامة، باتجاهه في هذه الظروف العصيبة إلى ما عاد بالنقض والإبطال على أصوله وخصائصه، ففسدت طرق التدريس به. وهذا ما كان يعتمده الشيوخ والمدرسون من مناهج هزيلة تخلط على الطلاب أفهامهم، وتحولُ بينهم وبين الحياة. فلا هم مُدركون حقائقها، ولا هم قادرون على مصانعتها والإفادة منها، أو متبنون لها بالوجه الذي يرومون، طامعين في تدريسٍ أفضل يقتضي القدرة على مجابهة المشاكل والتحديات بإرادة ثابتة وعزم ماض. ولا يتأتّى هذا إلا بالاعتماد على تكوينٍ سديدٍ، ومعرفة جيّدة، ودُرْبَةٍ عالية من العلم يُساعد الطلبة على توَفُّرها بالمدرسةِ أو المعهد، أو أي

ص: 38

مكان بقيت به أثارة من العلم الإسلامي. فإنه لا سبيل إلى تغيير الوضع القائم إلا بالقضاء على الانحراف والتقصير في القيام بالواجب. وبهذه الجهود الإصلاحية يكون لزاماً على الأمة أن تعود إلى كتاب ربها وسُنة رسولها، ويعود المعهد إلى القيام بدوره الرائد بتكوين علماء عارفين من جهة بالأصول الإسلامية، والأحكام الشرعية، والآداب الدينية، واتخاذ الطريق المحقق للسموّ الأخلاقي والكمال المعرفي. ومن جهة ثانية بإتقانهم للغتهم العربية وآدابها، وما يمكن أن يحصلوا عليه من إحاطة بتاريخ الأمة وتصوّر دقيق لأوضاعها.

وإن تاريخ الزيتونة ليشهد بأن هذا المعهد لم يخلُ في أي عصر من العصور من سعي حثيث إلى تكميل مدارك خريجيه تكميلاً يؤهلهم لمسايرة أحوال مجتمعاتهم وتوجيهها. ونحن اليوم في عصر يكاد يكون المجتمع الإنساني فيه واحداً في أي قطر من الأقطار؛ بسبب ثورة المواصلات والاتصالات المتنوعة المتطورة. ولهذا أثره في ارتباط حاجات الناس ومصالحهم بعضهم مع بعض. ولا يتم لهم هذا الغرض إلا إذا تأتّى لهم الصعود في جو الثقافة الإنسانية إلى مرتقى لا يقعد بهم عن مجاراة أرقى الأمم إحاطة بجوانب الحياة السعيدة .. وهذا بالقطع ما نادى به الشيخ ابن عاشور من جعل ما كان يطلب من العلوم تكملةً لموادها في عداد الواجب.

ورغم المعارضات الكثيرة التي قامت في وجه الإصلاح من طرف بعض أعضاء الحكومة، ومن العناصر المحافظة، جرت مفاوضات كثيرة في لجان الإصلاح، وتمَّ ما عمل من أجله الإمام من تقسيم التعليم الثانوي بالزيتونة إلى شعبتين أصلية ومعاصرة.

ص: 39

ونتساءل عمن هو قادر على الاضطلاع بمهمة إصلاح التعليم، فلا يكون من سبيل إليه إلا بحصول أمرين أساسيين هما: شروط القيام بالإصلاح، وبيان الغاية من التعليم في جامع الزيتونة.

أما شروط القيام بالإصلاح فهي كما صرح بذلك الإمام الأكبر في خطبه الكثيرة، وبخاصة في خطابه الموجّه إلى دعاة الإصلاح بقوله: أن يكون الراغب في الدعوة وفي القيام بإصلاح التعليم مؤهَّلاً للاضطلاع بالعمل الإصلاحي في ميدان التعليم. ومن أهم شروط هذا التأهّل: أن يكون ممن أنشأه هذا التعليم نفسُه، عارفاً بحاجات الزمان، وغايات العلوم، نظّاراً إلى الروح لا إلى الجثمان، بعيداً عن متابعة السفاسف، خبيراً بما أصاب مزاج التعليم من العلل وبأنواع معالجتها.

وأما الشرط الثاني فهو أن يكون المصلح صادقاً مخلصاً، صبوراً مثابراً على أداء واجبه، قادراً على إقناع من حوله من الناس بضرورة الإصلاح؛ فلا يتغافلون ولا يتقاعسون ولا يعرضون أو يمتنعون عن معاضدته، بل يشدّون على يديه، ويبذلون الوسع في التعاون معه لتحقيق الغاية وبلوغ القصد.

وقد رسم للدارسين والخريجين الهدف من وراء دراستهم للعلوم الشرعية واللغوية ونحوها قائلاً: إن غاية الغايات من التعليم الإسلامي، وأسنى المقاصد للتعليم الزيتوني هو إنتاج قادة للأمة في دينها ودنياها، وهداةٍ هم مصابيح إرشادها، ومحاصِدُ قتادها، ومُهدِّئو نفوسها إذا أقلقها اضطرابُ مهادها.

ويحسُن بنا ونحن نواصل القول في إصلاح التعليم الزيتوني أن نلفت النظر إلى عمل الإمام الأكبر في هذا المجال. وهو ما أومأنا إليه قبل، فنتحدث عن الأساتذة، وهم درجات. ومن وصف الإمام

ص: 40

لهم يَتَبَيّن لنا أن مَن يُحسن التعليم منهم قليل، لما كانوا عليه من فوارق وتفاوت في الدرجة العلمية. وقد زاده اضطراباً انصراف الطلبة في الغالب عن الدرس وانقسامهم على أنفسهم، متأثِّرين بالقسم الأول أو بالقسم الثاني من الشيوخ.

وتتأكد الإشارة هنا إلى أن هذا التعليم الإسلامي كان هو الوحيد يومئذ بالبلاد التونسية، وأن أحسن مَن تناوله بالنقد والتوجيه الإمام الأكبر. وهو كما يظهر لقراء أليس الصبح بقريب، يعالج قضايا العلم والتعليم، ويبدو لمن يطالعه أنه لم يترك قضية من القضايا الهامة إلا تعرض إليها. وذلك مثل:

1 -

إيواء الطلبة في أوقات الدروس، وإقامتهم بمدارس سكناهم.

2 -

نظام الالتحاق بالجامع، أو التراتيب الإدارية المتعلقة بالانتساب إليه تعلُّماً وتعليماً، مع تفصيل القول في دفتر الشهادات، وأوقات التعليم، والإجازات التي يتمتع الطلبة فيها بالراحة والانقطاع عن الدراسة.

3 -

قضايا التعليم: الوضع قبل مرحلة الإصلاح الأولى؛ الطلبة، المدرسون، الكتب الدراسية، لجنة إصلاح التعليم، قائمة الكتب الدراسية، وما طرأ عليها من تطوير باختصارها حيناً، والتنقيص منها أخرى، والاستدراك عليها ثالثة.

ونعود إلى كتاب الإمام للوقوف على نقد أوضاع التعليم بالزيتونة، والدعوة الصريحة للإصلاح. فنرى أن الواجب يفرض علينا الإمعان في دراسة جملة من الجوانب المختلفة الأساسية التي كانت عليها الزيتونة، مع البحث عن أسباب الضعف والتأخر في هذه الجامعة العتيقة التي مر على تأسيسها ثلاثة عشر قرناً، وكان أول

ص: 41