الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميعها يتعلق الخلق بها تبعاً لخلق محلها وهو العقل. وليس في هذا الحديث ذكر لخلق العقل (1).
5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:
هذه رسالة وقعت جواباً عن اقتراح للأستاذ حسين إبراهيم موسى، كتب به إلى مدير مجلة الهدي الإسلامي، يلتمس فيه من الشيخ أن يكتب بحثاً في هذا الغرض.
والإمام كما عوَّدنا لا يتناول قضية من قضايا العلم أو السنة إلّا وضع لها إطارها الذي تبرز متجلّية فيه. فيسهل بذلك البيان، ويتحقق من ورائه الفهم، وينتهي منهما إلى الغاية من البحث وهي الحكم في المسألة أو القضية المعروضة.
وفي موضوعنا هذا المتعلّق ببحث الآثار المروية في ظهور المهدي أربعة محاور، تتفاوت فيما بينها ضيقاً واتساعاً وطبيعة وأهمية.
فالمحور الأول: الذي يمكن أن ينزّل من بقية المحاور منزلة التمهيد من البحث، يحدّد لنا الإمام الأكبر فيه موقعَ هذا الموضوع من واجبات الدين الثلاثة. قائلاً: "ليس العلم به من قبيل العلم الواجب طلبه على الأعيان ولا على وجه الكفاية. فهو لا يرجع إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر، ولا إلى ما يتبع ذلك مما يترتب عليه تحقيق وصف الإيمان، ولا هو من الأمور العملية ولا من الأمور الراجعة إلى آداب الشريعة. ولكنه مسألة علمية تتصل بالمعارف الإسلامية قد تكون ذات علاقة بخبر أُثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو
(1) تحقيقات وأنظار: 151 - 156.
عن سلف الأمة. وهذا فقط ما يجعله مشتبهاً عند العامة بالمسائل الاعتقادية لارتباطه بالتصديق بوقوع شيء أو عدم وقوعه، لكن مجرد كونه من مطلق المدركات العقلية أو مما يطمئن إليه القلب لا يجعله مندرجاً في الواجبات الدينية المومى إليها حتى يكون من خصوص ما يجب اعتقاده شرعاً. وهكذا فإنه لا يجعل من الأمور الاعتقادية إلا ما قام عليه البرهان العقلي، وما جاء به الخبر الشرعي القطعي الثبوت والدلالة، فإن لم يحصل هذا فهو بعيد عن أن يكون من مسائل أصول الدين. وإذا بحث فيها، كمسألة الخلافة أو الإمامة، فإن ذلك واقع عرضاً بقصد رفع الفتنة وما ينجم عنها من تفسيق المسلمين أو تكفير بعضهم لبعض.
والمحور الثاني: بيان لواقع هذه القضية من حيث انتشارها معتقَداً في المجتمعات الإسلامية من بدايات الإسلام. والمثبتون لها قائلون بأنها فكر موروث مشوب بمسحة عقَدية. وموقفهم إزاءها مختلف بحسب المذهب الذي ينتسبون إليه أو الجماعة التي يرتبطون بها.
وأكثر المتلقّين لها والقائلين بها الإمامية من الشيعة، ومِن دونهم بعض أهل السنة وبعض الصوفية.
فالطائفة الأولى تدّعي أن المَهدي الذي يخرج في آخر الزمان هو موجود من قبل، وهو مُختفٍ. وهذا القول مردود باطل في عقيدة أهل السنة، تصدّى الكثيرون لتفنيده والرد عليه مثل النسفي والتفتازاني.
والثانية تزعم خروج المهدي وظهوره آخر الزمان من غير ادِّعاء وجود سابق له ولا اختفاء. وهم في الحقيقة متأثّرون بما أذاعته
الإمامية والرافضة من آثار بشأنه. رووها وتمسّكوا بها من غير درس أو تمحيص. وقد روّجوا لذلك بوجوب اتباعه عند ظهوره. وهذا يوجب التساؤل عنه للتعرّف عليه، وليتمكن معتقدوه من اتباعه. ودعوى ظهوره هذه بعد سباته أو اختفائه لا يتوسّمها المتوسّمون، كما قال الإمام الأكبر، بملامح وجهه ولا باسمه واسم أبيه، ولا بخفق أعلامه، ولا بأفق ظهوره، فإن جميع ذلك يمكن تلبيسه وادعاؤه باطلاً كما وقع غير مرة، ووجوب اتباعه لا تقرّه أحكام الملة بما وضعه علماؤها من قواعد وأقاموه من شروط تغني عن الملامح والرموز، إذ الإمام العدل، الواجب اتباعه والدخول في حزبه وأنصاره هو من استكمل شروط الإمامة والقدرة على حماية البيضة وقت الحاجة إلى ذلك. ولا التفات إلى الأخبار الملفّقة والرموز الجبرية، كما سيتم بحثه في المحورين القادمين؛ الثالث والرابع.
المحور الثالث: تاريخي عنون له بنشأة القول بالمهدي المنتظر. واعتبر ذلك من عمل شيعة الهاشميين لَمَّا أخفقوا في دعوتهم بعد استتباب الأمر لبني أمية. وقد قامت دعوتهم تلك على أساسين: ديني، وعنصري. الأول لأن هذا الرواج للمنهج السياسي أمر بالغ الأهمية عن طريق الوسائل الاعتقادية، وخاصة بين العامة لتلقّيهم الأشياء المنسوبة إلى الدين بمزيد الاعتبار دون تأمّل ولا إقامة برهان، والثاني لتعزيز خطّتهم ودعم حقّهم في الإمامة بعصبية أعجمية تنافح عنهم وتمكن لهم. وقد قام دعاتهم لذلك باختلاق أثارة من علم الأولين، وبوضع أخبار ينسبونها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على أنها من علم الغيب المقطوع بوقوعه. ومن شأنهم فيما يصوغونه من ذلك دسّ أمارات تناسب زمانهم أو حالهم أو أنسابهم أو مواطنهم أو اسم أحد من أئمتهم ليتبين كونهم المقصود من ذلك الخبر. وقد دعت الشيعة
الهاشمية لإسناد الأمر إلى من بقي من أبناء الإمام علي وهو محمد بن الحنفية، وادعى غلاتهم أنه لم يمت ولن يموت حتى ينصر دين الله، وأنه مختفٍ بغار في جبل رضوى ولقّبوه بالمهدي.
وزعم جمهور من الشيعة الإمامية أن المهدي المنتظر هو محمد بن السيد الحسن العسكري. وأنه اختفى صغيراً وأنه لا يموت، وأنه المهدي الذي سيخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. ويدحض هذا الزعم اتفاق جمهور علماء الأنساب على أن السيد الحسن العسكري ليس له ولد. وراحت بعد ذلك فرق كثيرة كانت تطمع في الإمامة تدعي ذلك وتنسبه إليها. وتضع له الأخبار للتأثير على العامة، كالذي اخترعه أصحاب الدعوة الهاشمية بخراسان، وعزوا روايته لابن مسعود، وأجروا على لسانه قولَه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة ثم الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطَونه فيقاتلون وينصرون (العباسيون الهاشميون).
وكان محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى يتطلّع إلى الخلافة، ويزعم أن أبا جعفر المنصور بايعه بها. وحين طلبه الأمير في خلافة أخيه السَّفَّاح اختفى في شِعاب جبل رضوى. ولقب أبو جعفر المنصور ابنه محمداً بالمهدي، وأخذ له العهد بالخلافة، وساعده على ذلك أنه سميّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أباه سميّ أبي الرسول. وهم يروون من الأخبار في المهدي ما وضعوه على لسان النبوّة: لِما يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي. وبهذا انقطعت أيامَ المهدي مطامع العلويين. وكذلك انتحل لقب المهدي هذا زعماء ورؤساء كالمهدي العبيدي بإفريقية، والمهدي بن تومرت داعية الدولة