الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكفيلة بإيجاد الأمة الراقية، وبناء المجتمع الكامل. ولتصوّر ملابسات تلك الظروف ينبغي أن نتعرّف على مدينة طيبةَ الطيّبة، وعلى سكانها وروادها ومن هاجر إليها. ويكفي لذلك أن نقرأ ما وصفها به في تلك الآونة الإمام الأكبر حين قال:"كمل المجتمع الإسلامي بالمدينة يومئذٍ. وصار أهله سواءً في التحلّي بالفضائل النفسية والعملية. وما ظنك بمجتمع يتوسّطه رسول رب العالمين، يسوسُه، كيف يكون مثالاً صالحاً للمسلمين، وقدوة لكل مجتمع يأتي بعدهم"(1).
وفي هذا المجتمع الذي تزاوجت فيه سلوكيات الأفراد الكاملة الخيّرة مع ما دعا إليه الإسلام من تشريعات وأحكام برز من أصول نظام سياسة الأمة فنَّانِ أصليان - على حد تعبير مؤلفنا - هما:
- فن القوانين الضابطة لتصرّفات الناس في معاملاتهم.
- وفن القوانين التي بها رعاية الأمة في مرابع الكمال، وذودُ أسباب الاختلال عنها (2).
مكارم الأخلاق:
ومقوّمات الفن الأول، الذي رعته أصول بناء المجتمع الإسلامي الأول، تبرز بوجه عام في مكارم الأخلاق: من عدالة واتحاد ومؤاساة تُوجِّه إلى الحق، وتقود إلى الخير بهدي الدين وروح الإسلام (3).
والمراد بمكارم الأخلاق هنا حصول الدربة بالتدريج على
(1) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 29.
(2)
المرجع السابق: 122.
(3)
المرجع السابق: 122.
ملاحظة الوصايا وإدراك الفضائل، وملاحظة ذلك ملاحظةً مستمرة في كل الأعمال والأحوال، حتّى تكاد تصبح غرائزَ فُطِر عليها أفراد ذلك المجتمع الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:"خير القرون قرني"(1). وذلك بسبب ما حصل بتلك المكارم من نتيجة الدربة عليها، والمراقبة لها، والالتزام بها. وما اكتسبه المسلمون من جراء ذلك من إلف لها، وجفاء لأضدادها (2). وتمّت للمجتمع الإسلامي من بعد الإيمان الاستقامةُ على أمر الله. وهي عبارة عن العدالة التي عرّفها الإمام بالملكة التي تمنع من قامت به من اقتراف الكبائر، وعن المروءة التي هي استيفاء الرجولة الكامنة: بأن لا تفعل في سرّك ما تستحي أن تفعله بحضور غيرك (3). وممّا يشهد لذلك ما ورد في الأثر: "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يُخلفهم، فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته".
وعدَّ المؤلف من صفات الكمال هذه ما بلغ تمام حقيقته فيهم. فمن ذلك الإنصاف من النفس. وهو خصلة رفيعة دعا إليها الرحمن في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (4). وقد روضت آداب القرآن أتباعَ الملة على هذه الخصلة بما جاء من قوله عز وجل: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} (5)، كما حثت السُّنة على ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:
(1) الحديث عن عمران بن حصين. متفق عليه. ملا علي قاري. مرقاة المفاتيح: 10/ 360، 6010.
(2)
أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 124.
(3)
المرجع السابق: 132.
(4)
النساء: 135.
(5)
النساء: 9.