الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبلفظ الملائك، هكذا بلا هاء، جاء قول حسان:
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم
…
فأنصاره حقاً وأيدي الملائك
وقد تميز هذا القسم الأول من التعريف بلفظ الملائكة في التحرير والتنوير بذكر أن التاء فيه لتأكيد الجمعية، وارتباط صيغة التأنيث للملائكة بمعتقد نصارى العرب. وبحث لفظ "ملائكة" وذكر مفرده، وقارن بين آراء أبي عبيدة والكسائي وابن كيسان والنضر بن شميل في اشتقاقه ومعناه.
الثاني: تناول بيان حقيقة الملائكة من الناحيتين الخلقية والسلوكية (1).
2 - المال
قال في التعريف بهذه المادة عن طريق ذكر ما ورد في النصّ القرآني: الأموال جمع مال. ولم ينظر إلى صيغة اللفظ ولا إلى اشتقاقه للعلم بهما، ولكنه جرى في هذا المحل على طريقة المناطقة والعلماء من أصوليين وفقهاء ونحاة وغيرهم، فوضع حدّاً جامعاً مانعاً مطرداً منعكساً معرفاً المال بقوله:"ما بقدره يكون قدر إقامة نظام معاش أفراد الناس في تناول الضروريات والحاجيات والتحسينيات بحسب مبلغ حضارتهم حاصلاً بكدح".
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. التحرير والتنوير: 1/ 2، 397 - 398؛ محمد الحبيب ابن الخوجة. الجانب اللغوي والبياني في التحرير والتنوير: 14 - 17.
(2)
البقرة: 188.
وفي هذا التعريف منع لدخول المواهي غير المقصودة من لفظ المال في الحد، واتساع شمول الأنواع المختلفة المدلول عليها به. ولذلك عقب الحد بقوله: فلا يعد الهواء مالاً، ولا ماء المطر والأودية والبحار مالاً، ولا التراب مالاً، ولا كهوف الجبال وظلال الأشجار مالاً. ثم قابل هذه الأشياء بأجناسها مما في اكتسابه كدح وعمل، فأدخلها في مسمى المال قائلاً: ويعد الماء المحتفر بالآبار مالاً، وتراب المقاطع مالاً، والحشيش والحطب مالاً، وما ينحته المرء لنفسه في جبل مالاً.
ولم يبادر إلى ذكر الأموال بذواتها، ولكنه رتب هذا على ذكر أنواع المال الثلاثة ليميز كل واحد منها بما يندرج تحته من صنوف، فيواطىء بهذا المعنى اللغوي المعنى الشرعي.
فالنوع الأول يتمثل فيما تحصل منه تلك الإقامة بذاته دون توقف على شيءٍ أجنبي. وهو الأطعمة كالحبوب والثمار والحيوان لأكله وللانتفاع بصوفه وشعره ولبنه وجلوده ولركوبه. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} (1). وقال تعالى: {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (2). وقد مضى بعد ذلك إلى الاستشهاد على مراده بالآثار والشعر. فذكر عن عمر قوله: "لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً". وقال: وسَمَّت العرب الإبلَ مالاً كما في قول زهير:
صحيحياتِ مال طالعات بمخرم
(1) النحل: 80.
(2)
غافر: 79.
ثم أردف ذلك ببيان أفضلية هذا النوع على غيره من الأموال، مورداً من الحديث في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"يقول ابن آدم: مالي مالي، وإنما مالك ما أكلت فأمريت، أو أعطيت فأغنيت". ونبّه عقب هذا الحديث على أن الحصر فيه للكمال في الاعتبار من حيث النفع المادي والنفع العرضي.
والنوع الثاني هو ما تحصل تلك الإقامة به وبما يكمله، ممّا يتوقّف نفعه عليه كالأرض للزرع وللبناء عليها، والنار للطبخ وللإذابة، والماء لسقي الأشجار، وآلات الصناعات لصنع الأشياء من الحطب والصوف ونحو ذلك. وهذا النوع دون النوع الأول.
والنوع الثالث ما تحصل الإقامة بعوضه مما اصطلح البشر على جعله عوضاً لما يراد تحصيله من الأشياء. وهذا هو المعبّر عنه بالنقد أو بالعملة. وأكثر اصطلاح البشر في هذا النوع على معدني الذهب والفضة أو على غيرهما مما يقوم مقامهما كالنحاس والودع والخرزات والحديد الأبيض والأوراق المالية.
والمراد بالفصل الوارد في التعريف، وهو قوله: حاصلاً بكدح؛ حصوله أو اكتسابه بسعي فيه كلفة ومشقة.
ولإكمال تصوير هذا الحديث للمال بيَّنَ المؤلف طرقَ اكتسابه وهي ثلاثة:
الطريق الأول: طريق التناول من الأرض بلا مزاحمة أو بمزاحمة، فيكون تحصيله بالسبق كسكنى الجبال والتقاط الكمأة.
الطريق الثاني: الاستنتاج بالولادة والزرع والغرس والحلب، وبالصنعة كصنع الحديد والأواني واللباس والسلاح.
والطريق الثاني: هو التناول من يد الغير، فيما لا حاجة له به،