المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

هو العلامة قاضي الجماعة الشيخ محمد الطاهر بن محمد بن الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور 1235/ 1815 - 1284/ 1868 بتونس. أديب فقيه عالي الهمّة، زكيّ النفس. لم يقنع بشرف النسب حتى أضاف له شرف المكتسب، من نور الفهم والتضلع بالعلم، وهما نعمتان، وكل ذي نعمة محسود، ورغم وجود حساده، وتظاهر أضداده، فإنهم لم يجدوا في قضائه موضعاً لانتقاده (1).

وهو وإن تميّز بالأدب والعلم والتدريس، وجملة من الأعمال الإدارية، وتقلّب في الخطط الشرعية بين الفتوى والقضاء، لم يبرز له تطلع سياسي، ولا اهتمام بالإصلاح إلا في مجالي التعليم والفتوى، اللذَيْن عَكف عليهما من صغره. فلم يكن كقابادو الأستاذ بالمدرسة الحربية، ولا كتلميذه الشيخ سالم بوحاجب الذي اتسعت مشاركاته وتعددت رحلاته.

حفظ القرآن الكريم بكُتَّاب حوانيت عاشور في صباه. ولمّا اشتد عوده دخل جامع الزيتونة الذي كانت سوق العلم به نافقة بفضل اهتمام المشير الأول أحمد باشا بالعلم وأهله، ووقفه الكتب العلمية به على طلبته. وكان تمرسه البالغ بالعلوم اللغوية والعربية والأدب

(1) أحمد بن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان: 8/ 167، 394.

ص: 130

وأسرار البيان. فجدّد من فنون القول ما اندرس، وتميّز في صناعتي الكتابة والشعر. وأخذ عن أبرز علماء عصره بمصره أمثال أخيه الأكبر الشيخ محمد ابن عاشور، والفقيه المتصوّف الشيخ محمد ابن مُلُوكة الذي كان يظهر اهتمامه به ويستنجبه، والعلامة شيخ الإسلام محمد ابن الخوجة، وشيخ الإسلام محمد بيرم الثالث، والمفتي الشيخ محمد معاوية، وشيخ الشيوخ الإمام إبراهيم الرياحي.

تولّى التدريس من الطبقة الأولى 1262/ 1846، وبرع في المعقولات. وأقبل عليه الطلاب، وتخرّجوا به في النحو والبلاغة والأدب والأصول. وكان في هذه الفنون أحسن منه في الفقه، ولكن استدرك ذلك حين ولي القضاء وأكّد مقَومات معارفه الشرعية. فانقطع إلى الدواوين الفقهية، وعمّر بها أوقاته، حتى تدارك في قليل من الزمن ما فاته. جرى مع فحول الفقهاء في مضمارهم ومعارك أنظارهم. ولم ينعزل عن التدريس حين أثقلته مهمة فصل النزاعات بين الناس، كغيره من العلماء. وتلك سنّة متّبعة معلومة منهم. فاستجاب لطلابه حين رغبوا منه إكمال تدريس شرح المَحلِّي لجمع الجوامع لهم. وكان يريح بذلك نفسه، فأقرأه بين العشاءين بجامع الزيتونة.

وخالف في منهجه في مجال الفقه كثيراً من معاصريه، واتبع مسلك رئيس المفتين الشيخ إسماعيل التميمي من قبله، آخذاً مأخذ المجتهدين في رد الفروع إلى أصولها، والاستدلال على الأحكام، والتنبيه إلى مقاصدها. وهذا ما جعله يفاخر بطريقته، معلناً أنه لم يكن يعجبه أن يقول في المسائل هكذا قال الفقهاء. فكان حريصاً على التعرف على الأدلّة والإحاطة بها مثلما كان عليه الأئمة وكبار الشيوخ. وحمل هذا الموقف منه على الإعجاب بمداركه في كل الأوساط. وكان المشير الأول يفاخر به، ويسأل في بعض القضايا عن قول

ص: 131

القاضي الشريف فيها، يعنيه دون سائر الفقهاء (1). وهو من أكثر الناس جمعاً للكتب والفرائد، فقد كلف أيام تدريسه للمطول من يستنسخ له من خزائن الآستانة كتاب دلائل الاعجاز لعبد القاهر الجرجاني.

وكان ممّن أخذ عنه العلامة الوزير الشيخ محمد العزيز بوعتور، والعلامة الوزير الشيخ يوسف جَعَيط، وشيخ الإسلام أحمد ابن الخوجة، والشيخ سالم بوحاجب، والشيخ محمد النجار، والشيخ محمد بيرم الخامس. وفي هذا يقول ابن أبي الضياف:(انثال عليه الناس من كل حدب، وجرى منه بالجامع الأعظم سبيل الإفادة، وسعِد به سوق العلم أَيَّ سعادة، يقدم الإفادة على سائر لذَّاتِه، بداعٍ قوي من ذاته. إذا تصدر للتدريس رأيت الدر الفاخر، من البحر الزاخر، ومصداقَ "كم ترك الأول للآخر")(2).

وممّا يشهد له بعلو الكعب وطولِ الباع في شتى العلوم والفنون، وبخاصة منها العقلية، ما حرَّره من شروح وتقييدات أو حواشٍ وتعليقات على ما درّسه من كتب أو خالطه من تصانيف.

نذكر له من ذلك في فن الحديث تعليقاته على مواضع من صحيح مسلم.

وله في السيرة كتاب: شفاء القلب الجريح بشرح بردة المديح، ولعله اختصار لشرح شيخ الإسلام ابن مرزوق لقصيدة البردة للبوصيري، كما كان له ختم مشهود في الحديث بمسجد حوانيت عاشور.

ونجد له في مادة النحو كتباً ثلاثة:

(1) ابن أبي الضياف. إتحاف أهل الزمان: 8/ 166، 394.

(2)

المرجع نفسه: 8/ 165، 394.

ص: 132

- حاشية على شرح ابن سعيد الحجري على الأشموني. من جمع تلميذه الشيخ كريّم.

- وحاشيته على القطر لابن هشام، أسماها هدية الأريب إلى أصدق حبيب.

- وتقييداته على بعض المواضع من حاشية الصبّان على الأشموني.

وله في البلاغة: الغيث الإفريقي. وهو تقييدات على حاشية عبد الحكيم على المطوَّل.

وفي الأصول: حاشيته على شرح المحلِّي لجمع الجوامع، لم يتمّها.

وفي الفقه: كنّاش جمع فيه فرائد ومسائل، محتفظ به بالخزانة العاشورية.

ومجموعة فتاوى.

وحاشية على شرح العصام لرسالة البيان، انفرد بذكرها الشيخ محمد الخضر حسين (1).

أما الوظائف الإدارية التي تقلّب فيها فهي: خطة القضاء التي أسندها إليه المشير الأول تقديراً له واعترافاً بسعة علمه، وهو ابن خمس وثلاثين سنة في 25 رجب 1267/ 26 مايو 1851، رغم صغر سنه. وقد شهد له بالعلم شيخه شيخُ الإسلام محمد بيرم الثالث، وصدق الخُبْر الخَبَر، فباشر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور خطة القضاء بميزان العدل، غير ملتفت إلى خوف أو عزل. شرّد أهل الزور، وغلّ أيدي الملدّين وأهل الفجور (2).

(1) محمد محفوظ. تراجم المؤلفين التونسيين: 3/ 303 - 338؛ محمد الخضر حسين. تونس وجامع الزيتونة: 110.

(2)

ابن أبي الضياف. إتحاف أهل الزمان: 8/ 165، 166.

ص: 133

وانتدبه المشير الثالث محمد الصادق باي إلى خطة الفتوى 1277/ 1861 إثر وفاة الشيخ العلامة محمد النيفر، وأولاه نقابة الأشراف بعد وفاة الشيخ العلّامة محمد بيرم الرابع. كما عيّنه محتسباً على فواضل الأحباس، أي مديراً للأوقاف، وأسند إليه نظارة بيت المال. واختاره عضواً في مجلسه الخاص، ثم عضواً بالمجلس الأكبر للشورى الحامي لحقوق المملكة والدولة والسكان. وعرف في كل هذه المناصب بالجد والاستقامة، والاستقلالية، وعمق النظر.

ونوّه ابن أبي الضياف بأخلاقه وسجاياه في قوله: "كان سليم الصدر، حسن الأخلاق، عذب البيان، كاتباً شاعراً بليغاً، ما شئت من محاضرة تتحف المجالس والمحاضر، ويسبي النواظر زهرُها الناضر"(1).

جدّد بترسّله فنون عبد الحميد وابن العميد. فمن ذلك ما كتب به من الإخوانيات إلى بعض خلصائه وأصفيائه:

يا نائياً وفي القلب قراره، وظاعناً وقد شاقني مزاره. لقد أفرطتَ في الجفا، وكان من الهجر ما كفى، وتَركت ما تركت بين الجوانح، وسلَّمت الفؤاد لوقد القوادح. أظلمت منازلُ أنِست من جمالك بدراً منيراً، وأوحشت منازل طالما استنشقَتْ من مسامرتك عطيراً. وأبقيت حليف هواك يقنع بطيف الخيال، بعد تمتعه بطيب الوصال، ويحسد أهل ذلك المنزل الذي سعد ببهاء جمالك، ولا يترقب سمعه إلى نغمة بشير وصالِك. قد جنح إلى رسول الكتاب، حين زاد وجده، وحنّ إلى الخطاب:

كتبت، ولو كتبت بقدر شوقي

لأفنيت القراطس والمدادا

(1) المرجع نفسه: 8/ 167.

ص: 134

ولكنّي اقتصرت على سلام

يذكرك المحبة والودادا (1)

ومن شعره الرائق ما أنشده تحية لبعض شيوخه. وتلك كانت عادة نجباء الطلاب مع شيوخهم، فمن ذلك تهنئته لأستاذه وأخيه أبي عبد الله محمد ابن عاشور بختمه تدريس كتاب الأشموني، وذلك في 19 رجب 1255/ 1839. وهي طويلة طالعها:

هو العلم ضاءت من سناه المحافل

وشاعت له بين الأنام فضائل (2)

وتهنئته للعلامة الشيخ محمد ابن سلامة بختم كتاب الشفا لعياض 1262/ 1846 أنشدها بحضرة الأمير المشير الأول أحمد باشا، وطالعها:

لك الله من برق بدا متبسما

تألّق ما بين المنازل والحمى

وفيها يخلص إلى مدح الباشا بأبيات كثيرة، نذكر منها:

رأى طلعة الباشا المشير تحُفُّها

سرادق عزٍّ ما أجلَّ وأفخَما

مليك يقاد النصر طوعاً لعزمه،

وإن عُدَّت الأقيالُ كان المقدَّما

تصدّى لحفظ الدين بالحزم والنهى

فشيّد أركانا وأوضح معلما

وأحيى رسوم العلم بعد اندراسها

وجيّش في قهر العداة عرمرما (3)

ولكأن سجايا ممدوحه هي التي أكدت أواصر الود بينهما، لما قامت عليه من مفاخر ومناقب: كتأسيس المدرسة الحربية بباردو، وتأسيسه للتعليم الرسمي بجامع الزيتونة، وتزيينه صدر الجامع الأعظم بخزائن العلم النافعة الفاخرة، وحفاظه الدائم للدين والملة.

(1) محمد النيفر. عنوان الأريب: 2/ 905، 317.

(2)

المرجع نفسه: 2/ 900، 317.

(3)

المرجع نفسه: 2/ 902، 317.

ص: 135

ومن نظمه البديع ما أظهره من تصرّف وتفنن في معارضته لموشح ابن سهل الشهير:

هل درى ظبي الحمى أن قد حمى

قلب صبٍّ حلّه من مكنس

فهو في حر وخفق مثلما

لعبت ريح الصبا بالقبس (1)

يخاطب بذلك تلميذه العلامة الوزير الشيخ محمد العزيز بوعتور، وطالع موشحه:

يا نسيماً هب من نحو الحمى

وبُريقاً لاح لي كالقبس

حدّثنْ عن أهل ودِّي علَّما

يطفىء الذكرُ لهيب النفس

وبعد وصفه لبلده تونس مفاخراً بها ومباهياً، ناعتاً إياها بجنة الدنيا، وداعياً لها، يقول في ممدوحه:

لستُ كأسَ الراح أعني، إنما

بغيتي كأس حياة الأنفس

مدحة النجل العزيز المنتمَى

للحبيب ابن الأديب الأَنفس

غاية الفخر، جمال النبلا

نشأت طلعته من مفخر

قمرٌ قد ساوم المجد على

سوم من جدَّ فكان المشتري

ومن اعتاد المعالي كيف لا

يقتني منها بحظّ أوفر؟ (2)

وإذا كان هذان الجدّان في قرَن، تميّزا أصلاً وفرعاً، وعلماً وأدباً، وريادة وسيادة. فوصْلُ الحديث عن الجدّ للأم بالترجمة للجدّ للأب يجد مناسبة ومساغاً.

* * *

(1) محمد النيفر. عنوان الأريب: 2/ 904، 317.

(2)

المرجع السابق: 2/ 904، 324.

ص: 136