الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كانت الغاية من هذا العلم أساساً ضبط القواعد التي يستطيع العالم بها فهم أدلة الشريعة، ثم استخدَامها لاستمداد الأحكام الشرعية منها. وربما ثَنَّوا على هذا بأنه بحكم بحثه في الأصول والقواعد العامة يمكنه جمع ما تتفق عليه الآراء بين الفقهاء ودفع الخلاف في الفقه.
هذا وقد مرّ علم أصول الفقه بمراحل كان في أوّلها في كتب السلف صوراً من الجدل الفقهي. فمسائل الأصول والجدل كان مخلوطاً بعضها ببعض، ولم يظهر هذا العلم متميّزاً ومفرداً بالتأليف إلا في رسالة الإمام الشافعي. وتعدّدت المحاولات فيه للكشف عن الأصول وضبطها في مختلف المذاهب. وظهر كتاب الإشارة للباجي. وبدت التصانيف في هذا العلم متنوّعة بين شافعيّة ومالكية وحنفية، وما يكثر فيها الحجاج ككتب الباقلاني والغزالي والباجي، وأخرى سلك أصحابها سبيل الإيجاز والاختصار كملخّص القاضي عبد الوهاب ومختصر ابن الحاجب.
وضع علم أصول الفقه:
ومثلما عرضت للفقه وغيره من العلوم جوانبُ الضّعف كالتي فصّلنا القول فيها قبل، نجد علم أصول الفقه قد تأثّر في تأخّره ببعض ما أوردناه من الأسباب العامة مما نبّهنا عليه في علمي التفسير والفقه. وأبرز هذه الأسباب:
أولاً: تأخّر تدوين هذا العلم عن علم الفقه، فجاءت قواعده أحياناً مخالفة للفروع بحسب تباين المذاهب. ومن ثم ظهرت في أقوال العلماء سمات الاطِّراد والاختلاف والنقض بين تلك القواعد ومسائل الفقه عندهم. ولا يصحّ هذا بعد إمعان النظر، وإنما هو
الترتيب الزمني للفنَّيْن، وتأصيل الأصول بعد ضبط أحكام الفروع.
ثانياً: اشتمال مادة علم الأصول، وهو علم آلات الاجتهاد، على كثير من المسائل الأجنبية عنه، من علوم المنطق والنحو والكلام وغيرها. فالغزالي أكثر في المستصفى من إيراد المسائل المنطقية، وتبعه في ذلك ابن الحاجب، فخصّ قسماً من مختصره الأصلي بمسائل هذا العلم. وذكروا في نفس كتب علم الأصول مسائل لا طائل من بحثها فيه، مثل معاني الحروف والاشتقاق والوضع والترادف والدلالات بأنواعها. ومثل تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوءته، ومسألة أقل الجمع، أو التكليف بالمحال وغيرها. وهذا ما تخلّص منه الإمام الشاطبي في موافقاته واعتبر الخوض فيه من العبث.
ثالثاً: إغفال المؤلِّفين فيه ذكر مسائل مهمّة، أبرزُها المقاصد الشرعية التي هي بحق منهج من مناهج الاجتهاد، وطريق من طرق ضبط الأحكام الشرعية في القضايا المستجدّة، مكتفين من ذلك بما أوردوه منها في مسالك العلّة، مثل مباحث المناسبة والإخالة والمصلحة المرسلة، حتى جاء الشاطبي ففتح الباب على مصراعيه، وجعل جزءاً كاملاً من كتابه قائماً على بحث هذا العلم وتتبع مسائله وقضاياه.
رابعاً: غلق باب الاجتهاد، وتحجير النظر في علم أصول الفقه، حتى كاد أن يَنْسَى الطلابُ مسائله وقضاياه، لولا تولّي الشيخ ابن عاشور الأول تدريس المحلّي على جمع الجوامع، والشيخ سالم بوحاجب تدريس العضد على مختصر ابن الحاجب. فبهذا انتعش علم أصول الفقه بجامع الزيتونة، وعاد الطلاب إلى الاعتناء به.