المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - اسم الإشارة: (ذلك) - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

على الاحتمالات الواردة الصحيحة (1).

وبمثل هذا التتبع للمواد اللغوية تحريراً وضبطاً لصيغها، وكشفاً عن دلالاتها ومعانيها ننطلق في بياننا لمنهج صاحب التحرير إلى أمثلة أخرى تتعلق إما بأحكام العربية وقواعدها من نحو وصرف، وإما بأسرار التعبير والتصرفات القولية من فنون البلاغة.

* * *

ونقدم لبيان منهج الإمام في تحليله وتعمقه في دراسة القضايا النحوية أمثلة ثلاثة. هي الإشارة بـ "ذلك"، وورود اللفظ بدلاً أو عطف بيان، والمقاربة مع تفصيل القول فيها.

‌مسائل نحوية:

‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

قال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} (2).

فرّق الإمام في تفسير هذه الجملة بين {الم (1)} وبين {ذَلِكَ الْكِتَابُ} . وقال في القسم الثاني منها: كلام لا اتصال له في الإعراب بحروف (ال م) كما علمت ممّا تقدم. وهنا يبدأ النظر في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} ببيان إعراب هذه الجملة تمهيداً للخلوص إلى معناها، وتحريراً للمراد منها باستعمال الطريقة نفسها التي جرى عليها الزمخشري في كشافه واستخدام قوانين اللغة وقواعدها للوقوف على أدقَّ المعاني وأخفاها.

وأوجه الإعراب لـ "ذلك الكتاب" متعددة في تقديره وهي:

إما أن تجعل من حروف (الم) جملة مسوقة مساق التهجّي

(1) محمد الطاهر ابن عاشور. التحرير والتنوير: 2/ 2، 275 - 278.

(2)

البقرة: 1، 2.

ص: 469

لإظهار عجز المشركين عن الإتيان بمثل بعض القرآن. فيكون اسم الإشارة مشاراً به إليها باعتبار كون حروفها مقصودة للتعجيز، لأن حروفها من جنس حروف الكتاب. وعلى هذا الوجه تكون (الم) غير معربة ولا مبنية، واسم الإشارة ذلك مبتدأ، والكتاب خبراً.

وإما أن تكون الإشارة إلى القرآن المعروف لديهم يومئذٍ، وهو ما نزل منه فعلاً منضماً إليه ما يلحق به. فيكون قوله: ذلك، مبتدأ، وخبره: الكتاب.

وإما أن تكون الإشارة هنا إلى جميع القرآن، ما نزل منه وما لم ينزل، لأن نزوله مترقّب. فهو حاضر في الأذهان فأشبه الحاضر في العيان. ويكون التعريف للكتاب تعريفاً للعهد التقديري، وقوله:(الكتاب) حينئذٍ بدلاً أو بياناً من ذلك، والخبر هو (لا ريب فيه).

ومن هذا الإعراب التصويري للجملة ينتقل إلى اسم الإشارة "ذلك". فيذكر مقالة ابن عباس: (ذلك الكتاب) أي هذا الكتاب. وهو ما قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما، وما رواه البخاري عن أبي عبيدة. ويكون ما ورد هنا من استعمال اسم الإشارة جرياً على طريقة العرب في إتيانها بالإشارة إلى البعيد مكان الإشارة إلى القريب الحاضر.

ولتفصيل القول في ذلك ينقل الإمام الأكبر عن الرضي قوله: وُضِع اسم الإشارة للحضور والقرب لأنه للمشار إليه حساً، ويصحّ أن يشار به إلى الغائب فيصير الإتيان بلفظ البعد وارداً لأن المحكي عنه غائب، ويقلّ أن يذكر بلفظ الحاضر القريب. وكذا يجوز لك في الكلام المسموع عن قريب أن تشير إليه بلفظ الغيبة والبعد كما تقول: والله، وذلك قَسَم عظيم، لأن اللفظ زال سماعه فصار كالغائب،

ص: 470

ولكن الأغلب في هذا الإشارة بلفظ الحضور فتقول: وهذا قسم عظيم (1).

ولا يكتفي في هذا المقام بالاقتصار على مقالة الرضي، بل يرجع إلى ابن مالك في التسهيل ليحكي عنه تسويته بين الإتيان بالقريب والبعيد في الإشارة إلى كلام متقدم فيقول: وقد يتعاقبان - اسم القريب والبعيد - مشاراً بهما إلى ما ولياه من الكلام. ومثّله شارحه بقوله تعالى بعد قصة عيسى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (2)، ثم قال:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} (3)، فأشار مرة بالبعيد ومرة بالقريب، والمشار إليه واحد.

وفي المقارنة بين هذا الكلام وما تقدم من قول الرضي يقول الإمام: وكلام ابن مالك أَوفَى بالاستعمال، إذ لا يكاد يُحصر ما ورد من الاستعمالين. فدعوى الرضي قلة أن يذكر بلفظ الحاضر دعوى عريضة.

ثم يمضي بعد هذا إلى تثبيت حكمه والاستدلال عليه بقوله: وإذا كان كذلك كان حكم الإشارة إلى غائب غير حكم الإشارة إلى الكلام، في جواز الوجهين لكثرة كليهما أيضاً. ففي القرآن:{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} (4)، فإذا كان الوجهان سواءً كان ذلك الاستعمال مجالاً لتسابق البلغاء ومراعاة مقتضيات الأحوال. ونحن قد رأيناهم يتخيّرون في مواقع الإتيان باسم الإشارة ما هو أشد مناسبة لذلك المقام. فدلّنا على أنَّهم يعرّفون مخاطبيهم

(1) ابن الحاجب. شرح الكافية: 2/ 32.

(2)

آل عمران: 58.

(3)

آل عمران: 62.

(4)

القصص: 15.

ص: 471

بأغراض لا قِبَل لتعرفها إلا إذا كان الاستعمال سواء في أصل اللغة، ليكون الترجيح لأحد الاستعمالين لا على معنى مثل زيادة التنبيه في اسم الإشارة البعيد كما هنا، وكما قال خُفاف ابن نَدبة:

أقول له، والرمح يأطر متنَه،

تأمّل خُفافاً، إنّني أنا ذلك

ويجعلون من أسباب الإتيان بالقريب إظهار قلة الاكتراث، كما في قول قيس بن الخطيم من شعراء الحماسة:

متى يأتِ هذا الموتُ لا يلفِ حاجة

لنفسيَ إلا قد قضيت قضاءها

وفي هذه الفقرة وما بعدها يجاوز المؤلف قولَه في إعراب الآية ونقولَه لمقالات النحاة، من أجل بيان المعنى المطلوب، إلى ذكر شتّى التصرّفات باسم الإشارة، تعليلاً لمقاصدها وبياناً لمحاملها. فيدعوه ذلك إلى الرجوع إلى قول الله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ} ليبيّن ما انتهى إليه البحث من أن الإشارة في الآية كانت باستعمال اسم الإشارة للبعيد، لإظهار رفعة شأن هذا القرآن، بجعله بعيد المنزلة. وقارن هنا مرّة أخرى بين الاستعمال القرآني وما شاع في الكلام البليغ عند العرب من تمثيل الأمر الشريف بالشيء المرفوع في عزّة المنال. فالكتاب هنا، لمّا ذكر في مقام التحدّي، ولما تضمّنه من صدق معانيه ونفع إرشاده، بعيدٌ عمن يتناوله بهُجر القول كَقولهم:"افتراء" وقولهم: "أساطير الأولين". ولا يعارض هذا التأويل ورود الإشارة إلى الكتاب باسم الإشارة للحاضر القريب كما في قوله سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} (1)، وقوله تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا} (2)، لأن الإشارة

(1) الأنعام: 92.

(2)

الأنعام: 155.

ص: 472

في الآيتين إلى كتاب بين يدي أهله، يرغِّبهم في العكوف عليه والاتعاظ به.

ويَعُود إثر هذا إلى الزمخشري مذكراً بأخذه بصنيع الرضي في التسوية بين الاستعمالين من عدم إرادة التنبيه على التعظيم أو الاعتبار في ذلك الكتاب. وقد جعل الإمام الأكبرُ السكاكي حَكَماً بين الزمخشري والرضي ومن خالفهما بقوله في مقتضيات تعريف المسند إليه بالإشارة: أو أن يقصد ببعده تعظيمه كما تقول، في مقام التعظيم: ذلك الفاضل وأولئك الفحول. وهذا مثل قوله عز وجل: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} ذهاباً إلى بعدِه درجةً (1).

وإذا تقرّر هذا عاد الشيخ إلى بيان وجه إعراب "الكتاب" تكميلاً للفائدة فيذكرُ في ذلك قولين:

الأول: يجوز أن يكون "الكتاب" بدلاً من اسم الإشارة لقصد بيان المشار إليه لعدم مشاهدته. فالتعريف فيه إذن للعهد ويكون الخبر هو "لا ريب فيه".

والثاني: يجوز أن يكون "الكتاب" خبراً عن اسم الإشارة، ويكون التعريف تعريفاً للجنس، فتفيد الجملة قصرَ حقيقة الكتاب على القرآن بسبب تعريف الجزأين. فهو إذن قصر ادعائي. ومعناه: ذلك هو الكتاب الجامع لصفات الكمال في جنس الكتب. وقد يعبر النحاة عن هذا التعريف باللام، في تعداد معانيها، بالدلالة على الكمال. وينحسر معنى القصر في الآية إلى معنى الإفادة الظاهرية للتعريف باللام والإشارة بذلك (2).

(1) المفتاح.

(2)

محمد الطاهر ابن عاشور. التحرير والتنوير: 1/ 1، 219 - 221.

ص: 473