الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني
قصة وضع كتاب الواضح: أن الأصفهاني قد حُدِّث بما وضعه ابن جنّي من شرح على ديوان المتنبي، وأن بعض أهل الشأن من وجوه رجال ذلك الزمان المتصرّف في جلائل الأمور وسياسة الجمهور، أيام بهاء الدولة بن عضد الدولة 379 - 403 قرأ على الأصفهاني هذا الشرح. قال أبو محمد عبد الله: فوقعتُ منه على صواب وخطأ، فأمللت فيه كتاباً ترجمته بالواضح في مشكلات شعر المتنبي، واتخذته قربة وازدلافاً إلى الباب العمور (1).
وقد رفع إلى سدّته الكريمة كتابه هذا، بلغة جميلة ومعانٍ شريفة جليلة، قائلاً بعد الديباجة: المتوسّل إلى السدّة الكريمة والحضرة العظيمة، حضرة ملك الملوك بهاء الدولة، بحرمة الأدب وذمامه، ونشر الكلام ونظامه، يَرِدُ البحر بأعذب مشارعه، ويتناول البدر في أقرب مطالعه
…
يا سيد الأمراء وابـ
…
ـن السادة الشمّ الأشاوس
إنّي ببابك جالس
…
وعليك للتأميل حابس
ومعي عرائس، نَثرها
…
ونِظامها، بكرُ الهواجس
(1) الأصفهاني: 5.
محشوّة بجواهر،
…
وبواهر الكلم النفائس
فاستهدها يا خير من
…
هديت لمجلسه العرائس (1)
وكتاب الواضح هذا هو من جملة الكتب التي وضعت رداً على ابن جنّي في شرحيه لديوان صاحبه أبي الطيب المتنبي: الفسر الصغير والفسر الكبير. ذكره يوسف البديعي في عدادها في كتابه: الصبح المنبي حين قال: وأول من تكلم على أبيات منه مشكلة أو صنف فيها مآخذ؛ ابن فورجه والربعي وسعيد الأزدي الملقب بالوحيد
…
وكتاب أبي القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني. وكأنّه لم يقف على كتاب هذا الأخير، وإنما وصل إليه ذكره. فهو مما سمع به ولم يقف عليه.
وأبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني وكتابه هذا كانا مغفولاً عنهما طوال أزمنة، بين أهل الأدب والنقد، وفي كتب التراجم والتصانيف. وممّا يدلّ على هذا إمساك ابن سيده في كتابه مشكل المتنبي، عن الإشارة إلى من سبقه من النقاد إلى التعرض إلى أقوال ابن جنّي أو مؤاخذته عليها. فهو لم يذكر الأصفهاني ولا الواضح في هذا المجال فكأنه لا يعرفه (2).
ومن أجل هذه الصعوبة في التوصّل إلى ما يترجم به لأبي القاسم الأصفهاني، ذكر الإمام الأكبر أن مما يؤخذ من ديباجة الكتاب وأواخره: أنه كان موجوداً في سنة 336 لأنه حدّث عن الحلبي عبد الواحد اللغوي المتوفى 351، ولا يمكن أن يتم له ذلك وسنه أقل من خمسة عشر عاماً. ووصفه البغدادي بكونه معاصراً
(1) الأصفهاني: 3 - 5.
(2)
محمد الطاهر ابن عاشور. الواضح. المقدمة: ح.
لابن جنّي، كما ذكر هو عن نفسه: أنه روى عن أبي الفتح بن جنّي وعن محمد بن جعفر التميمي المعروف بابن النجار المتوفى 402.
افتتح الأصفهاني كتابه الواضح بترجمة هامة لأبي الطيب وأدبه. وذلك من: 6 - 28. فتحدث عن نشأته ومغامراته، وتنقله ورحلاته، ومدائحه وأهاجيه، وما كان يتميّز به شعره، مقارناً بينه وبين متقدميه من المولّدين. وجملة قوله في ذلك: أن أبا الطيب كان من حفاظ اللغة ورواة الشعر. وكل ما كان في كلامه من الغريب استقاه من الغريب المصنف سوى حرف واحد من كتاب الجمهرة. وهو قوله:
وأطوِي كما يَطوي المجلّدةُ العُقدُ (1)
وأما الحكم عليه وعلى شعره: فالمتنبي سريع الهجوم على المعاني، ونَعتُ الخيل والحرب من خصائصه. وما كان يراد طبعه في شيء مما يسمح به، يَقبل الساقط الردّ، كما يقبل النادر البِدع. وفي متن شعره وهيٌ، وفي ألفاظه تعقيد وتعويض (2).
ومن خلال هذا الحكم يتبيّن لنا أن الأصفهاني تتبّع في كتابه الواضح مجموعتين من شعر المتنبي: اشتملت الأولى على ما عرض له ابن جنّي في فسره الصغير، والثانية على جملة أبيات للمتنبي أوردها ابن جنىّ في فسره الكبير.
وعدد أبيات المجموعة الأولى موضع النظر والتحقيق عند ابن جنّي في فسره الصغير وعند الأصفهاني في كتاب الواضح: 81 بيتاً.
(1) الأصفهاني: 27.
(2)
الأصفهاني: 27 - 28؛ نقله الخطيب بلفظه. انظر: الخزانة.
وفي نهاية هذه المجموعة قال الأصفهاني: ثم اتفق بعدها في بلدان العجم وُقُوفي عليها بعد تتمة الأربعمائة والعشر. فاختلفت إلى طائفة من كتاب الإنشاء، كلهم نظروا في الفسر الكبير. فكانوا يحاورونني في عوارض أبيات المعاني التي فسّرها فقرنتها بالمشكلات (1). وبإثر ذلك ذكر المجموعة الثانية، وأبياتها عشرون.
وقد أبدع الأصفهاني في تصرّفاته وشرحه وتعليله ومقارناته طوال كتابه الواضح الذي رغم صغر حجمه كان وفير الفائدة، مصادف الصواب في معظمه، لما مزج به فيه من نقد وتشريف لكلام ابن جنّي الذي لذع شعر أبي الطيب في مواضع كثيرة (2).
ولم يقف الشيخ ابن عاشور عند هذا الحد من الوصف لعمل أبي القاسم بل تجاوزه إلى التنبيه على أن الرجل مكين في الأدب والبلاغة. تنبىء بذلك منازعه في معاني الشعر وتنظيراته بين أبيات الشعراء ومعانيهم. وشاهدنا على ذلك كلماته في فضيلة النظم وتشريفه. فإن له في ذلك آراء صائبة، وملاحظات دقيقة سبق بها ما توصّل إليه عبد القاهر الجرجاني من كلام في النظم، تضمّنه الفصل الأول من "فصول شتّى في النظم" من كتاب دلائل الإعجاز (3). قال العلماء: اللفظ أغلى ثمناً، وأعظم قيمة وأعزّ مطلباً: فإن المعاني موجودة في طباع الناس يستوي فيها الجاهل والعالم.
ويأتي مزيد من التفصيل في بيان هذه الحقيقة في تعليق الإمام
(1) الأصفهاني. الواضح: 88 - 89.
(2)
محمد الطاهر ابن عاشور. الأصفهاني: مقدمة الواضح: ط.
(3)
محمد الطاهر ابن عاشور. مقدمة الواضح: يا.