المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زرع المعوقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح: - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌زرع المعوقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

المهرة المتميزين بالعمق والدقة وجودة النظر، ووُضعت لها المناهج لكل سنة، يُعدّها المجلس العلمي بها، وينتقي لها أهم الكتب والمصنفات للدروس والبحوث والمحاضرات. وكانت تصدر في بداية كل سنة نشرة تضبط المناهج والأوقات، وترتب الدراسات والفنون التي يتعيّن الاشتغال بها لتمكين الطالب عند التخرج من الحصول على الملكة العلمية والنظرة الواسعة الفقهية واللغوية، والقدرة على البحث والاجتهاد فيما قد يعرض من الوقائع والنوازل المستجدّة.

‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

خشِيت سلطات الحماية من تفاقم الوضع، ومن تضافر جهود المواطنين على نقض أهدافها السياسية وتخطيطاتها الاستعمارية في كل المجالات. فحاولت أن تقضي على حركات الإضراب الطالبية بجامع الزيتونة وفروعه، مثلما قامت بشنّ حملاتها على العناصر الشبابية، ورجال الحركة القومية، وتسليط ألوان القمع والاضطهاد عليهم: إيقافاً وتعذيباً وسجناً وإبعاداً، متّهمة هؤلاء وأولئك بالتنكّر للمدّ الحضاري الأوروبي الذي أقامت عليه فرنسة سياستها في المستعمرات، وبالتآمر مع أعداء النظام على أمن الدولة والعمل على التخلص من الاحتلال بكل صوره وجميع مظاهره وأشكاله.

وهكذا لم تدع الإدارة الاستعمارية فرصةً تسنح إلا استغلتها من أجل إضعاف روح التكتّل القومي الهش، وفصل أتباعها السائرين على نهجها عن الثقافة العربية التونسية، كما عملت جاهدة على التحقير من شأن التعليم الزيتوني العربي الإسلامي أصليّه وعصريّه بصرف الناس عنه، مستعينة في ذلك بدعاة الفرنكوفونية الذين كانوا يسعون إلى مرضاتها، ويعملون جاهدين لاكتساب الأنصار من

ص: 308

المترددين وضعاف العزائم، موقرين في نفوسهم أن تقدم الشعب وتحقيق متطلباته لن يكون إلا بالخضوع للواقع، والسير وراء الأقوى، والأخذ بأسباب العزّة والقوّة من الحضارة الأوروبية القائمة، وإن أدى ذلك إلى اضمحلال الذاتية القومية بجميع مقوماتها وبالذوبان في الغير. وهو الاتجاه السياسي القديم الذي أملاه زويمر ودعا له من وقت احتلال فرنسة للجزائر عام 1830.

وتلت هذه الجهود الماكرة والدعايات السياسية المضلّلة ألوانٌ من التصرّفات الإدارية الاستعمارية، تمثلت:

أولاً: في تحجيم التعليم الزيتوني بعد انتعاشه.

وقد يكون من الضروري هنا أن نصف ما كان عليه التعليم بتونس من فوضى، وما كان عليه المعلمون والأساتذة من حيرة. فالتعليم الزيتوني الذي كان يشق سبيله في شعبتيه العلمية والعصرية بفضل الجهود الإصلاحية الذاتية، إلى الظهور على غيره والتقدم عليه، وجد من المواطنين إقبالاً وعناية. فهو بشعبته العصرية يمثل بادرة فريدة من نوعها، وتجربة رائدة في تاريخ التعليم المُعَرَّب بتونس. وازدادت أهمية واعتزاز المجتمع التونسي العربي المسلم به، لأنه تمكّن من جهة على المحافظة على أهمية العلوم العربية والشرعية، ومن جهة ثانية أقام تعليماً عصرياً تجهيزياً علمياً يعدّ خريجيه للتخصص في الجامعات الشرقية والغربية، كما لبّى رغبات الأمة في تحقيق التجربة الأصلية باستيعاب العلوم العصرية دون التفريط في علوم الشريعة الإسلامية (1).

(1) د/ علي الزيدي. تاريخ النظام التربوي، شعبة العصرية الزيتونية:382.

ص: 309

ووقع أثر هذا الصراع الموجه بين هذا المعهد الديني والعلمي في جميع مراحله، وبين المعاهد الأخرى المخالفة له مضموناً وهدفاً. فكان محاطاً بمعاهد ذات صبغة ومناهج فرنسية ترمي إلى فرنسة العقول بإخضاع تلامذتها، لما يخضع له التلميذ الفرنسي، والنوع الثاني من التعليم كان مقصوراً على المدرسة الصادقية والمعاهد التي جرت مجراها، وكانت تمثل التعليم التونسي خالياً - أو يكاد - من العلوم الإسلامية.

وحين اشتد الصراع وطغى العدوان الفرنسي قام ساسة ومفكرون تونسيون بإدخال أنواع من التطوير، تأكد بها القضاء على المعهد والجامعة الزيتونية. وكان هذا التصرف على مراحل: أولاً بإلحاق هذا التعليم بوزارة التعليم بعد أن كان من نظر رئاسة الحكومة ثم من نظر وزارة الدولة والمؤسسات الإسلامية. واستمر دعاة الإصلاح والمسؤولون عنه يحرصون على تعريب التعليم، ثم على توحيده. وكان من آثار ذلك فقط ترك التعليم الزيتوني مقصوراً على التعليم العالي دون أن تكون له روافد تسنده. ورغماً على الإصلاحات الجريئة تبخرت شعبة (أ) للتعليم العام التي كانت محط الآمال. وفصل الإمام عن المشيخة، وذَوَتْ الزيتونة وتعليمها العالي.

وتواصلت قبل ذلك صور القمع والهدم للزيتونة، فكان من ذلك:

أولاً: إيقاف حركة إنشاء الفروع الزيتونية.

- التضييق على موارد التعليم الزيتوني بالحد من الاعتمادات المالية الضرورية للقيام بشؤون التعليم على الوجه المطلوب.

- منع الأساتذة التابعين لإدارة التعليم والمعارف من الإسهام بدروسهم بالشعبة العلمية والعصرية قصد تحقيق النهضة العلمية الزيتونية.

ص: 310

- حجب تأشيرة الدخول للمملكة عن كثير من الأساتذة الضيوف الذين يتعاونون مع الزيتونة في نطاق تبادل الزيارات.

وثانياً: دعوة مجلس الإصلاح للتعليم الزيتوني للانعقاد في محرّم 1369/ مارس 1950. وحمله على اتخاذ قرارات تعسّفية مناقضة لما تمّ اعتماده من تدابير للنهوض بالتَّعليم في الجامع الأعظم.

وثالثاً: بثّ الفتنة بين أساتذة الزيتونة وتقسيمهم إلى مؤيدين للإصلاح ومناهضين له، وزعزعة الحركة الطالبية بإيجاد الفُرقة والنزاع بين الكتلة وصوت الطالب.

ورابعاً: إيقاع المصادمات المفتعلة بين رجال الزيتونة من أساتذة وطلاب، وبين العناصر الوطنية عن طريق التحريشات المدبرة والسعايات الحاقدة.

وقد كانت نهاية هذه التطوّرات إقصاء فضيلة الشيخ الجليل محمد الشاذلي بِالقاضي عن إدارة المدارس التي ساسها بما عرف به من عزم ورعاية وحكمة. وذوت الزيتونة أو كادت، وعاد عزيز أباظة يشيد بدورها الخالد في قوله:

يا حجة الإسلام إنك، إن دَجَتْ

رِيَبٌ عليه، سراجُه الوضّاءُ

تحمين حوزته كما تحمي الألى

والوا إليها القلعةُ العصماء

فإذا امتَحنت فعزمةٌ سلَفيّة

وإذا هززتِ فصخرة صماء

نشروا على دنيا العروبة علمَهم

وصلاحَهم أعلامُك العلماءُ

وعلى المطهّر من حماك تفقّه الـ

ـحفّاظ والقرّاء والحكماءُ

ولم تفتر حركة الإصلاح بعد ذلك. فتتابع التجديد والنظر في برامج الشعبتين الأصلية والعصرية، واستمرت إرساليات الخريجين

ص: 311

إلى المشرق وإلى أوروبة، كما تحصّل الطلاب بعزمهم الشديد وصبرهم وصمودهم على بناء مراكز مناسبة للتعليم الزيتوني.

ثم تعطّل ذلك كله بعد اتخاذ القرارين الحكوميين القاضيين بتوحيد القضاء بالبلاد التونسية، وبتوحيد التعليم في كل المدارس والمعاهد الابتدائية والثانوية.

ومع تزايد الإقبال على الزيتونة من طرف طلاب العلم، وأمام تكاسُل الإدارة الاستعمارية وقعودها عن تشجيع هذه المؤسسة الأم للتعليم ببلادنا، قامت إدارة الجامعة الزيتونية باستئجار كثير من الدور والمنازل الكبيرة لإيواء شُعَب التعليم بأقسامها، كما أسَّست بالتعاون مع أهل البر والإحسان في بلادنا مقراً كبيراً لإقامة الطلبة، هو الحي الزيتوني. ومن مظاهر التطوير العلمي للتعليم الزيتوني تعديل المناهج، واختيار الكتب الصالحة للتدريس. وبدأت حركة التأليف تظهر بتونس في مختلف العلوم كالرياضي والطبيعي منها باللغة العربية.

ولا بدع إن تغنّى الشعراء بهذه النهضة الكبرى المباركة، أو فاخروا بهذه الأمجاد الرفيعة. فقد جاء من ذلك على لسان مصطفى خريف:

فدى لأبي الزيتونة القرم وابنها

وشيخ علاها، جاحد الفضل كافره

لقد كاد نور العلم فيها لينطفي

فأوقده الشهم ابنُ عاشور طاهرُه

إمام على نهج الحقيقة سائر

هَداه إلى نهج الحقيقة فاطرُه

أخو عزمات لا تلين لغامز

ورَبُّ مزايا ليس تفنى مآثره

* * *

ص: 312