الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب
كان تأثير هذه الثلة من الساسة والمفكرين والعلماء والمصلحين ملموساً بوضوح في كل مجالات الحياة في بلاد الإسلام عامَّة، وفي المشرق العربي وبلاد المغرب خاصة. وكان هذا التأثير عميقاً تتجاوب أصداؤه في بلاد الخلافة وسائر الولايات الخاضعة لحكمها والتابعة لها.
وقد كانت الدول الاستعمارية، بقدر مُداراتها للباب العالي وكيدها له ومهاجمته، تسعى بكل الوسائل للتقليل من شأن أولئك الزعماء ومطاردتهم أينما كانوا، غير أن هذه المعاملة الشرسة لم تزد دعوتهم إلا توهُّجاً، ومناهجهم إلا انتشاراً في مختلف الأقاليم، عن طريق المحاضرات واللقاءات والصحافة والنشر.
وكان حظ تونس من ذلك هامّاً بما ظهر فيها من تيارات إصلاحية وحركات فكرية ومدارس علمية، إليها يرجع الفضل في حماية البيضة والملة، والحفاظ على الهوية، مع السعي إلى التطوير والتغيير للأوضاع البالية والعقيمة، والحرص على الأخذ بأسباب التقدّم والتفوّق من الحضارة الغربية الجديدة، تنبيهاً للعقول، واستدراكاً لعوامل الرقي والمنَعة. وكان يمضي بالمجتمعات التونسية نحو التلاحم والوحدة وإصلاح الأحوال في كل مجالات الحياة قادةٌ
مَهَرة، ورجالٌ دأبوا على مناهضة الجهل ونشر العلم والقضَاء على الظلم وإقامة العدل. ومن أبرز عناصر هذه الطائفة الراشدة علماء وأدباء وساسة ومفكرون، منهم من تقدم بقليلٍ مولدَ صاحبِ المقاصد، ومنهم من عاصره ممن كان له الأثر المباشر في حسن تنشئته وكمال تكوينه.
ولعل من المفيد أن نُعرّف بهذه الثلة المتميّزة ليكون ذلك تمهيداً وتوطئة لترجمة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الثاني. فقد احتك بدون شك بمناهجها الإصلاحية، واستوعب أذواقها وآدابها الاجتماعية، وتأثر بتياراتها العلمية والفكرية. وهي بحسب الواقع والظاهر متجانسة العناصر، متكاملة المزايا والمفاخر، يمكن تقديمها وتصنيفها باعتبار مميزاتها وخصائصها وآثارها في الحياة العامة إلى مدرستين؛ الأولى: سياسية إصلاحية، والثانية: علمية فكرية. وعماد المدرسة الأولى خير الدين باشا وأنصاره من أمثال الوزير المؤرخ ابن أبي الضياف، والشاعر المبدع قابادو، والعالم الذائع الصيت بوحاجب. وتضم الثانية جدَّي مترجمنا العلامة محمد الطاهر ابن عاشور الأول، والوزير العالم محمد العزيز بوعتور، والشيخ سالم بو حاجب.
* * *