المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التحرير والتنوير لا يعد كتاب التفسير: التحرير والتنوير من بين كتب - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌ ‌التحرير والتنوير لا يعد كتاب التفسير: التحرير والتنوير من بين كتب

‌التحرير والتنوير

لا يعد كتاب التفسير: التحرير والتنوير من بين كتب التفسير المعاصرة. فهو بالمنهج العلمي ألصق، وبطرق السابقين المتقدمين ألحق. لا يقف صاحبه من آثار الأسلاف في هذا الميدان موقف الطاعن أو الذامِّ، ولكن موقف المهذِّب والمستدْرِك.

صدّر الإمام الأكبر تفسيره بمقدمات في علوم القرآن.

وجعل تلك المقدّمات قسماً من الجزء الأول من التحرير، تناول فيه عدداً من القضايا الهامة مثل: التفريق بين التفسير والتأويل، واستمداد علم التفسير، والتعريف بالمنهجين المعتمدين في تفسير القرآن: التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي. كما بحث مقاصد التفسير، وأسباب النزول، وعرّف بالقراءات، وتحدّث عن قصص القرآن، وختم جملة هذه المباحث بتقسيمات القرآن وترتيباته وأسماء ذلك. وخصص المقدّمتين التاسعة والعاشرة: الأولى ببيان أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن ينبغي أن تكون مرادة منها، والثانية بإعجاز القرآن. وفيها من جملة المباحث ذكر مبتكرات القرآن وعاداته.

ومضى الشيخ ابن عاشور في تفسيره على نمط فريد في عصرنا الحاضر، يداني به كبار أئمة التفسير المعتمدين، ويجنح بطلّابه فيه إلى مختلف الطرق، تمكيناً لهم من فهم النص القرآني فهماً كاملاً، وتدريباً لهم على الغوص على لطائف معانيه وإشاراته، غوصاً يسمح لهم بالانتباه إلى دقائقه، مع التربية لملكاتهم والصقل لمواهبهم والارتقاء بأذواقهم. فهو يخاطب به في حلقات درسه طبقة خاصة من طلبة الدراسات العليا، وعدداً من المدرِّسين الذين كانوا يُهرعون إلى مجلسه للتأدّب به والتعلّم منه والتخرّج عليه. فهو يبني بهذه الطريقة

ص: 318

جيلاً جديداً يتلقّى المشعل من يده، وينهج منهجه في سيره، فيعمّ بذلك نفعُه العامةَ والخاصةَ، ويحفظ به اللغة وآدابها، ويُعنى فيه بالقرآن الكريم الذي وعد سبحانه بحفظه في قوله جل وعلا:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1).

وقد اعتمد الإمام الأكبر المنهج الصحيح في تفسيره، المنهج الذي لا غنى عنه لدارس ولا لباحث ينظر في كلام الله تعالى. فنبّه إلى أن تفسير التراكيب القرآنية ينبغي أن يجري على تبيين معاني الكلمات بحسب استعمال اللغة العربية، ثم بأخذ المعاني من دلالة الألفاظ والتراكيب وخواص البلاغة، وباستخلاص المعاني المستنبطة منها عن طرق دلالات المطابقة والتضمين والالتزام مما يسمح به النظم البليغ ولو تعددت المحامل والاحتمالات، وكذلك بنقل ما يؤثر عن أئمة المفسّرين من السلف والخلف مما ليس مجافياً للأصول ولا للعربية، مع تجنّب الاستطراد والاندفاع في أغراض شتى ليست من مفادات تراكيب القرآن.

وقد جعل من أهم مصادره في تحريره: تفسير الكشاف للزمخشري، والمحرر الوجيز لابن عطية، ومفاتيح الغيب للرازي، وتفسير البيضاوي الملخص من الكشاف ومن مفاتيح الغيب بتحقيق بديع، وتفسير الشهاب الآلوسي، وما كتبه الطيبي والقزويني والقطب والتفتازاني على الكشاف، وما كتبه الخفاجي على البيضاوي، وتفسير أبي السعود، وتفسير القرطبي، والموجود من تفسير الشيخ محمد ابن عرفة التونسي من تقييد تلميذه الأبِّي. وهو بكونه تعليقاً على تفسير ابن عطيّة أشبه منه بالتفسير. لذلك لا يأتي على جميع آي القرآن،

(1) الحجر: 9.

ص: 319

وتفاسير الأحكام، وتفسير الإمام محمد بن جرير الطبري، وكتاب درة التنزيل المنسوب لفخر الدين الرازي، وربما نسب للراغب الأصبهاني.

وإنك إذا تأملت تفسير العلامة الشيخ ابن عاشور ألفيت العقل الراجح، والرأي الصائب، وسعة الفكر، وقوة البيان، مع الحجة القوية والبرهان القاطع. وقد استعد لهذا الدور الجليل بما اكتسبه من علم وخبرة وذوق وملكة في اللغة وآدابها، وبما حصل له من وراء ذلك من مدارك وتصرّفات، هي نتيجة طبيعية لممارساته لفنون القول. لذلك تراه، وهو المزوّد بهذه الثقافة العالية الواسعة، والخبرة العميقة الطويلة، يسلك، في تفسيره وفي تحريره للمعاني والمقاصد، الطريقةَ التطبيقية التي جرى عليها الزمخشري وابن الأنباري وابن الشجري وأمثالُهم. فإذا ما قصرت هذه عن الوفاء بما أراد، عاد إلى محفوظه ومروياته من كلام العرب وأشعارها مستشهداً ومستنبطاً، معلناً عن ابتكاراته وأفهامه الخاصة بقوله:"وعندي" وهكذا يضم هذه الطريقة الاستنتاجية التي كان عليها المبرِّد إلى الطريقة التطبيقية، وهذا الاجتهاد هو ما لا يتسنّى لكل أحد، ولا نأنَسُه بكثرة عند أمثاله من المتقدّمين في هذا العلم.

ومن يُعِد النظر في منهج العلامة الإمام الأكبر في تفسيره يُلْفِ به طِلْبةَ الباحث والدارس من المتعمّقين المتخصّصين. ففيه أحسنُ ما في التفاسير وأحسنُ ممّا في التفاسير (1).

(1) محمد الحبيب ابن الخوجة. بحث في التحرير والتنوير لشيخ الإسلام محمد الطاهر ابن عاشور. اْثبت ذيل كتاب التفسير ورجاله للشيخ محمد الفاضل ابن عاشور. وبحث في الجانب اللغوي والبياني في التحرير والتنوير مقدم ضمن فصول أدبية وتاريخية لمجموعة من العلماء والأدباء مهداة إلى أ. د ناصر الدين الأسد.

ص: 320

اعتمد الإمام الأكبر في الأساس أغراض التفسير التي دعا إليها الله في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1). وقد نبه إلى ذلك في المقدمة الرابعة من تفسيره، وجعل أغراض التفسير بحسب استقرائه ثمانية (2).

ومما جاء في هذه المقدمة قوله: فغرض المفسِّر بيانُ ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمل المعنى ولا يأباه اللفظ، أي من كل ما يوضّح المراد من مقاصد القرآن أو ما يتوقّف عليه فهمه أكمل فهم، أو يُخفى المقصد تفصيلاً وتفريعاً مع إقامة الحجة على ذلك إن كان به خفاء، أو لتوقع مكابرة من معاند أو جاهل فلا جرم كان رائد المفسِّر في ذلك أن يعرف على الإجمال مقاصد القرآن مما جاء لأجله، ويعرف اصطلاحَه وعاداتِه في إطلاق الألفاظ. وللتنزيل اصطلاحات وعادات تعرض صاحب الكشاف إلى شيء منها في متناثر كلامه في تفسيره (3).

وقد رأينا من الباحثين المعاصرين الدكتور عبد الغفار عبد الرحيم يقارن بين تفسير المنار للأستاذ الإمام، وبين التحرير والتنوير للإمام الأكبر. فعجبنا من اعتباره صاحب التحرير جارياً على المنهج الذي اختاره الإمام محمد عبده، وجرى عليه أبناء مدرسته مثل السيد محمد رشيد رضا والشيخ عبد القادر المغربي والشيخ محمد مصطفى المراغي وأمثالهم. ثم أظهر التردد في ذلك عند قوله عن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: إنه أحد أبناء هذه المدرسة ولكن على نمط آخر فريد. ويكشف عن إصابته وجه الحق بعد هذه المقالة بقيامه في كلمة موجزة بالمقارنة بين الأثرين. وذلك حين يقول

(1) ص: 29.

(2)

التحرير والتنوير: 1/ 40، 41.

(3)

التحرير والتنوير: 1/ 41، 42.

ص: 321

عن الإمام الأكبر في تفسيره: فلقد جمع هذا التفسيرُ خلاصة آراء السابقين، وزبدة أفكار المعاصرين في أسلوب أدبي رفيع، وتقسيم علمي بديع (1).

ومن المفيد أن نعرّف بمنهجي الإمامين المتقدمين: فالإمام محمد عبده اعتمد أسلوباً خطابياً مقنعاً يظهر تأثيره في التصرفات القولية التي تتكوَّن منها مادة تفسيره، وفي المحاور الهامة التي كان يتناولها للاستحواذ على الجماهير من مخاطبيه وقرائه، وفي أنواع الجدل وصور المقارنة وطرق المناقشة ذات الأثر البيّن في تقديم آرائه وتركيز نظرياته التي يدعو إليها.

والإمام محمد الطاهر ابن عاشور له اتجاه آخر أساسه ثقافته الأدبية والشرعية، واتساع أفقه العلمي وتمكنه من علوم الوسائل والمقاصد جميعها، مع انتصابه للتدريس والتأليف زمناً طويلاً، وقيامه بالدعوة الإصلاحية فيهما. ويتضح موقف صاحب التحرير من آثار الأسلاف في هذا الميدان. فهو غير موقف الطاعن والذامِّ، ولكن موقف المهذب المستدرك. حمله على الالتزام بذلك مخالفته لعدد من المتقدمين كانوا، فيما صوَّرهم به، أحدَ رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون. وفي كلتا الحالتين ضر كثير. وهناك حالة أخرى يجبر بها الجناح الكسير وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، علماً بأن غَمضَ فضلهم كُفران للنعمة، وجحد مزايا سلفنا ليس من حميد خصال الأمة. فالحمد لله الذي صدق الأمل ويسر إلى هذا الخير ودل (2).

(1) الإمام محمد عبده ومنهجه في التفسير: 6.

(2)

التحرير والتنوير: 1/ 7.

ص: 322