المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - محمد العزيز بوعتور - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌2 - محمد العزيز بوعتور

‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

هو الوزير العالم الكاتب محمد العزيز بن محمد الحبيب بن محمد الطيب بن الوزير محمد بُوْعَتُّور 1240/ 1825 - 1325/ 1907 بتونس. أصل سلفه من صفاقس. ويتصل نسبه بالشيخ عبد الكافي بوعتور العثماني من ذرية الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه. مهد ابن سبطه العلامة البحر الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور لترجمته بقوله: "إذا كان للتربية الإسلامية الكاملة، والنشأة الأخلاقية الفاضلة مظهر ينطق بسمو أثرهما في الحياة العلمية، وبرهان يفصح بمبلغ الناشئين عليهما من مقامات الرشد في كل ما تولوا، والنجاح أينما انتهجوا، فإن في حياة الوزير الخطير والعالم الكبير عبرة فائقة للمعتبر، في ما بين النشأة الزكية والنجاح في الحياة الاجتماعية من متين الأسباب في حياة من تبوَّأ المنزلة السامية من كل نظر، وحلّ محل الثقة من كل فؤاد حتى ترك حديث مقدرته السياسية يملأ الأفواه والآذان، ومأثورَ أعماله الرشيدة وأقواله الحكيمة تسير بها الركبان"(1).

بدأ حياته الكريمة بحفظ القرآن. وبعد مزاولته التعليم الابتدائي التحق بجامع الزيتونة 1245/ 1839. تلقى به النحو وعلوم العربية والبلاغة وعلوم الشريعة من فقه وأصول. وكان متمكّناً منها ضليعاً

(1) محمد الفاضل ابن عاشور. تراجم الأعلام: 141.

ص: 137

بها. أخذ عن شيوخ الإسلام: إبراهيم الرياحي، ومحمد ابن الخوجة، ومحمد الشاذلي بن صالح، وعن قضاة الجماعة محمد ابن سلامة، ومحمد الطاهر ابن عاشور الأول، ومحمد النَّيْفَر، وعن العلامة محمد الطيب الرِّيَاحي، والعلامة محمد ابن عاشور، وعن العالم الورع أحمد عاشور. كما حظي بالأخذ عن الإمام العالم الصالح محمد صالح الرضوي السمرقندي البخاري، مفتي أونقالاذ بالهند، عند زيارته لتونس. فقرأ عليه الحديث، وسمع منه وحصل عن طريقه على الأسانيد العالية (1).

ولم تَعُقْه بعد ذلك المناصب الحكومية ولا الوزارة عن مواصلة طلبه للعلوم. فقد شَهِدَه المفتي الشيخ أحمد بن مراد يتردد على حلقة شيخه محمد الطاهر ابن عاشور الأول: مستزيداً من ملازمته فضلاً وعلماً، متخرّجاً على يديه أكمل تخرّج. وتوطّدت بذلك صلته به، وأصبح من خواصه وروّاد ناديه. يقول ابن سبطه:"وقد تأثّر به أيّما تأثّر بما اكتسبه من مخالطته من النظر الواسع، والبحث الحر، وتحقيق الغايات والأسرار من كل قضية علمية أو عادية"(2). وهو وإن شغلته الكتابة والإدارة في بداية الأمر، فإن ذلك لم يمنعه من التشرف بمشاركة أترابه، وذوي النباهة منهم، في إلقاء دروسه، بالمجنبة الشرقية من الجامع الأعظم، تأدباً مع شيوخه، وإقرائه شرح المختصر للسعد في البلاغة (3).

ومن يتتبع سيرة هذا النابغ في العلوم الشيخ محمد العزيز،

(1) محمد الفاضل ابن عاشور. تراجم الأعلام: 143.

(2)

المرجع نفسه: 144.

(3)

محمد النيفر. عنوان الأريب: 2/ 1008.

ص: 138

الذي نذر حياته للدرس، كَلِفاً به، ومقبلاً عليه، ير كيف حوّله القدر من التدريس ومن طلب طريق أمثاله من الشيوخ ذوي الرجاحة الفكرية والنباهة العلمية، إلى كتابة الدواوين، لما اشتهر من أمره، وذاع من قدراته على تملك صناعتي النثر والنظم وبراعته فيهما. وليس هذا بدعاً، فقد سبقه إلى هذا الميدان صفوة من أهل بيته. كان منهم جدُّه الأعلى الكاتب الشاعر الوزير الشيخ محمد بوعتور الذي كتب للمولى حسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية. ثم تسلسلت مناصب الكتابة والرئاسة القلَمية في عقبه، حتى كانت الطبقة الواحدة من كتاب الدولة الحسينية تعد أربعة أو خمسة من آل بوعتور. وكان من بين هؤلاء جد مترجمنا الشيخ محمد الطيب كاهية باش كاتب في دولة حسين باي الثاني (1).

وهكذا جرى الحفيد على سنن ذويه وأجداده، فتولى الكتابة للمشير الأول أحمد باشا حين انتخبه لها من بين عدد كبير من نظرائه سنة 1262/ 1847. ثم اختاره كاتب سرّه يتلو عليه التقارير والحجج. وقد أشركه في ترتيب خزانته الأحمدية التي حبّس كتبها على طلاب الجامع الأعظم، لما حصل عليه من حيث النجابة ونصاب العلم (2).

ومن تنويه الشيخ أحمد بن أبي الضياف به قوله عنه استطراداً في ترجمة جده محمد الطيب بوعتور: "وأعقب أبناءً امتطى بعضهم صهوة الكتابة. وحفيده الآن هو شمس ضحاها، وقطب رحاها. ورئاستها مع الوزارة طوع بنانه، لو حظي بإعانة من طبع زمانه"(3).

(1) محمد الفاضل ابن عاشور. تراجم الأعلام: 142.

(2)

محمد النيفر. عنوان الأريب: 2/ 1007.

(3)

ابن أبي الضياف. الإتحاف: (2) 7/ 153.

ص: 139

عهد إليه بعد ذلك بمرافقة ولي العهد في تجواله وتنقلاته في البلاد. وحين آل الأمر إلى المشير الثاني محمد باشا اتخذه هذا، لكبير معرفته به وتقديره لمواهبه، رئيساً لكتبة وزارة المال 1276/ 1860. ثم اختاره عضواً بالمجلس الأكبر الذي استحدثه قانونُ عهد الأمان، وبإثر ذلك وبعد وفاة الشيخ محمد الأصرم في عهد المشير الثالث محمد الصادق باي عيّن باش كاتب وزيراً للقلم 1281/ 1865، فعضواً لمجلس الشورى الملَكي الخاص. وقد كان يعهد إليه في تلك الفترة 1280/ 1863 بتحرير اللوائح للقوانين الجديدة، إذ كان عمدة الدولة في تحقيق الأنظار الفقهية، والمرجع في تطبيق النظر الإسلامي على النظام الجديد تطبيقاً علمياً محكماً (1)، فوزيراً للمال 1283/ 1867. وعند تكوين اللجنة الدولية للمراقبة المالية اختير رئيساً لقسم العمل إلى جانب خير الدين الذي كان رئيساً لقسم النظر.

وحين أسندت الوزارة الكبرى للسيد خير الدين بعد انقطاعه عن الممارسات الحكومية في الدولة، قامت علاقة مزدوجة من الود والعمل بين الشيخ محمد العزيز بوعتور وبين رائد الإصلاح بالبلاد. فكان عمدة خير الدين في الأعمال الإدارية والتحريرات الدولية والمسائل الشرعية. ثم سمي وزير استشارة 1290/ 1873 (2). وفي أيام الأمير علي باشا استغنى عن الوزير محمد خزنة دار، وعيّن مكانه على رأس الوزارة الكبرى الشيخ محمد العزيز بوعتور في سنة 1300/ 1883.

فإذا عدنا إلى أنشطة مترجمنا، وقد عرفنا مما سبق أنه المرجع

(1) محمد الفاضل ابن عاشور. تراجم الأعلام: 147 - 148.

(2)

المرجع نفسه: 149.

ص: 140

في العلوم الشرعية، والعمدة في الفنون القولية، بما كان له من ضلاعة في مختلف الاختصاصات الفقهية واللغوية، وذكرنا تدخّله عند اختلاف الأنظار بين العلماء أعضاء المحكمة الشرعية العليا، لتباين أفهامهم للنصوص أو تنازعهم في الأخذ ببعض القواعد وتطبيقها، وتولّيه البت في الأمر بكلمة فصل في القضية، أو بترجيحه رأي أحدهم إن حالفه الحق ولو خالفه الأكثرية (1) رأينا علماً بارزاً وأديباً بارعاً.

ومن جيد نظمه ما نحسبه جارياً على طريقة أبي الطيّب، محاكياً في نظمه حمودة بن عبد العزيز في قصيدته:

هو العز في سمر القنا والقواضب

وإلا فما تغني صدور المراتب

فقد قال مهنئاً شيخه محمد النيفر عند ختمه تدريس كتاب السعد على التلخيص:

طريق لنيل العزّ حرز المطالب

وغور لأسنى القصد صدر المراتب

ومنها:

وليس ثمار الحزم إلا عزائماً

تريه كميناً من عزاز المواهب

إذا كانت السادات تصبو لرفعة،

فإني ملكت الجد جد الرغائب

وإني لمقدام، وغيري جازع،

وإني لقوّال بأي المواكب

نشرنا على متن السماك مراتباً

تؤمّ لها الركبان من كل جانب

ويا رب ليل يثبر الصلد حزنه

أضاء الدياجي من يراع وقاضب

ورب عويص، قد أزلنا لثامه،

له الناس فوضى بين راد وذاهب (2)

(1) محمد الخضر حسين. تونس وجامع الزيتونة: 91.

(2)

محمد النيفر. عنوان الأريب: (2) 2/ 1012.

ص: 141

وكأنّه بهذه الأبيات التي صدّر بها تهنئته، يشير إلى مسلكه في الحياة والتزامه الجد والاستقامة والعمل الدؤوب.

أما مقالاته ورسائله فهي مبثوثة في الدواوين، أو مُحتفظ بها في خزانة الدولة. ولعل من أهمها وأدقها تصويراً لعصره، وتعبيراً عن معارفه ومداركه الشرعية والقانونية، رسالته التي تناول فيها قانون عهد الأمان بالشرح والتحليل والتفريع، وعلّق عليه تحريرات أصولية بديعة في إجراء بعض كلياته على قواعد الشريعة الإسلامية (1).

أما الجوانب العلمية الإدارية الترتيبية والإصلاحية فتشهد لها معاضدته ونصرته للوزير خير الدين في برنامجه الإصلاحي. فقد كان الشيخ بوعتور من الرجال العاملين في إصلاح نظام التعليم بالجامع الأعظم، وفي تأسيس المدرسة الصادقية، وتأسيس جمعية الأوقاف، وتنظيم المحاكم الشرعية، وسنّ قانون العدل، وغيرِ ذلك من المؤسسات النافعة الخالدة (2). أخذ من الشيخ سالم حفظه وسعة علمه، ومن الشيخ ابن عاشور دقته وضبطه، ومن ابن أبي الضياف ترسله ونظمه، ومن خير الدين منهجه الإصلاحي وحرصه. فكانت له بذلك جماع المفاخر والمناقب، التي تفرّقت بين السادة السابقين، فسار معتداً بها، معتمداً عليها، مبلغاً إياها إلى مَن بعده مِن رجال الفكر والعلم والعمل والإصلاح.

* * *

(1) محمد الفاضل ابن عاشور. تراجم الأعلام: 148.

(2)

المرجع نفسه: 149.

ص: 142