الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى في آية: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} (1) فإن الواقف في الظلام إذا مد يده يراها بعناء، وآية:{وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (2)، وقول تأبط شراً:
فأُبت إلى فهم وما كنت آيباً
…
وكم مثلَها فارقت وهي تصفر (3)
وعلى هذا النحو من التطبيق للقواعد، والاستنتاج للمعاني، والإبداع والدقة في تحرير القول في كل قضايا اللغة والعربية والبلاغة، يمضي الشيخ في تفصيله القولَ بلفت الأنظار إلى دقائق الاستعمال، كما عرض لذلك عند حديثه عن أصل "الاسم" واشتقاقه، و"العالَم"، و"الصراط"، أو في بيانه لتقديم الأهمية العارضة على الأهمية الأصلية واستعارة (المستقيم)، وقوله في تفسير: المغضوب عليهم.
* * *
أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:
1 - الاسم
ذكر الإمام هذا اللفظ "الاسم" في "البسملة" قبل تفسير "الفاتحة". ولتفصيل القول في ذلك سلك مسلكاً بيّن فيه آراء النحاة واللغويين المتقدِّمين. افتتح كلامه بتعريف الاسم قائلاً: هو لفظ جُعل دالاً على ذات حسّية أو معنوية بشخصها أو نوعها. ثم قسّم حديثه إلى جملة أغراض منها بيانُه اشتقاقَ هذه الكلمة، والتنبيهُ على أصلها عند البصريين والكوفيين، مشيراً إلى تصريفها واشتقاقها، ومعقّباً على هذا بمناقشة قول ابن يعيش في صيغة سمًى، مُورداً على إثره زعم ابن حزم في كتاب المِلل والنِحل أن لفظ "اسم" جامد غير مشتق.
(1) النور: 40.
(2)
الزخرف: 52.
(3)
محمد الطاهر ابن عاشور. التحرير والتنوير: 1/ 2، 556 - 559.
ففي ضبط رأي البصريين يقول: إن لفظ "اسم" مشتق من السُّمُو. وصف به مدلوله لاقترانه بالدلالة على العلمية. فالاسم في كلام العرب هو العلم، ولا توضع الأعلام إلا لشيء مهتم به. وفي هذا اعتداد بالأصل والغالب. وربما وضعوا الأعلام لغير ما يهتم به كفجار، عَلَمٌ للفجرة.
وأصل صيغة "اسم" عندهم من الناقص الواوي. وهو إما سِمْو كحِمل، وإما سُمْو كقُفل. ولم تعامل هذه الكلمة معاملة قاضٍ في الإعراب، وإن كانت هذه من الناقص اليائي، وجرى إعرابها مقدراً على الحرف المحذوف، أو لكثرة الاستعمال. وإنما كان إعرابها على الحرف الباقي في الكلمة ساكناً بعد حذف اللام للتخفيف، فنقلوا سكونه للمتحرك قبله وهو أول الكلمة، وجعلوا همزة الوصل للنطق بالساكن. وباجتلاب الهمزة هذه قضوا غرضاً ثانياً هو عودة الكلمة إلى صيغة الثلاثي، احترازاً من بعض الثقل الحاصل في الكلمة الباقية على حرفين كـ (يد) و (دم).
ومن الدلائل الثابتة عندهم على كون الاسم في الأصل ناقصاً ورود تصاريفه الكثيرة كاشفة عن ذلك الأصل مثل جمعه على أسماء أفعَال، وجمعه على أسامي أفاعيل وهي جمع الجمع، وتصغيره على سمي، وأن الفعل منه سَمَّيت. وقد ورد في كلام العرب سُمًى كهدى على فُعَل كرطب، وانقلبت الواو المتحركة فيه ألفاً إثر الفتحة. وعلى هذا قول الراجز:
والله أسماك سُمًى مباركا
…
آثرك الله به إيثاركا
ونازع ابن يعيش في هذا الوجه الأخير. وقال: لا حجة له في بيت الراجز لاحتمال كونه لغة مَن قال: سُم، والنصب فيه نصب