المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ديوان النابغة الذبياني - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌ديوان النابغة الذبياني

‌ديوان النابغة الذبياني

أما المجموعة الثانية من آثار الإمام الأكبر الأدبية فهي ما جمعه وحقّقه وأكمله وشرحه وعلق عليه من الدواوين. وإن لهذه المجموعة لصلة وعلاقة بالمجموعة الأولى قبلها. ونكتفي في هذا المحل بالوقوف عند ديوانين:

أولهما ديوان فحل من فحول الطبقة الأولى من المقدّمين، منزلته بعد امرىء القيس، ويلتقيان في نفس الطبقة مع زهير والأعشى. وهو النابغة الذبياني.

وثانيهما من كان في الرتبة الأولى من المُحْدَثين من الشعراء المُجيدين. وهو بشار بن برد.

النابغة الذبياني:

أما النابغة فهو زياد بن معاوية بن سعد بني ذبيان. ويكنّى أبا أمامة وأبا عقرب بابنتين كانتا له، كما ذكر ذلك البغدادي. وإنما دعي بالنابغة لقول النقاد في تقديم شعره: نبغ بالشعر بعد ما احتنك، وهلك قبل أن يهتر. يريدون أن مادة الشعر لديه لا تنقطع كمادة الماء النابغ. وقيل: لقوله من قصيدة:

وحلّت في بني القَينِ بن جَسر

فقد نبغت لنا منهم شؤون

وقال رجالُ هذا الفن في وصف روائعه الشعرية التي تميّز بها:

ص: 537

أحد فحول شعراء الجاهلية، أحسنُهم ديباجة شعر، وأكثرُهم رونق كلام، وأجزلُهم بيتاً، كأنّ شعره كلام ليس فيه تكلّف.

وذكر بشار بن برد، وهو المِفَنُّ بين رجال عصره قال: أجمع أهل الحجاز على تقديمه وتقديم زهير على غيرهما من الشعراء. ولعل من روائع شعره ما فضّله به الشعبي على الأخطل في مجلس عبد الملك بن مروان. وذلك قوله:

هذا غلام حسن وجهه

مستقبل الخير سريع التمام

للحارث الأكبر والحارث الأصـ

ـغَرِ والأعرج خير الأنام

ثم لهند ولهند فقد

ينجع في الروضات ماء الغمام

خمسةُ آباءٍ همُ ما همُ

هم خير من يشرب صفو المدام

وفضّله أيضاً عمر بن الخطاب على الشعراء، إذ سأل من كان ببابه من وفد غطفان قائلاً: أيّ شعرائكم الذي يقول:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مطلب

قالوا: النابغة. قال: فأيّ شعرائكم الذي يقول:

فإنّك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلتُ أنّ المنتأى عنك واسع

قالوا: النابغة. قال: هذا أشعر شعرائكم.

وقد كان مع منعته في قومه مقرباً من النعمان بن المنذر. يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة، ويجد لديه من الحفاوة والتبجيل ما جعل الملك يبالغ في إدنائه. وأعطاه مرّة مائة بعير من النعَم السود معها رعاتها ومظالها وكلابها.

واشتهر هذا الشاعر بقصائده الطوال التي منها ما عدّوه أول جمهرات العرب. وهي التي يقول في مطلعها:

ص: 538

عوجوا فحيُّوا لنُعمٍ دمنة الدار

ماذا تحيّون من نُؤْيٍ وأحجار

أقوى، وأقفر مِن نُعمٍ، وغيَّره

هُوج الرياح بها في الترب موار

ومنها التي ذكرها التبريزي في شرحه للقصائد العشر، مقارنة بما أنشده لأصحاب المعلقات، وهي الدالية التي طالعها:

يا دار ميّة بالعلياء فالسند

أقوت، وطال عليها سالف الأبَد.

وقَفْتُ فيها أصَيلاناً أسائلها

عيّت جواباً، وما بالربع من أحد.

ومن أشهر قصائده أيضاً الدالية الأخرى التي يقول من أوّلها:

أمن آل ميّة رائح أو مغتد

عجلان ذا زاد وغير مزوّدِ.

أَفِدَ الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا، وكأن قَدِ.

هذه هي التي وصف فيها زوجة صديقه النعمان المتجرّدة، ذاكراً خفيَّ محاسنها، فغضب الملك عليه. ولاذ هو بالفرار. ومكث هناك غير قليل عند الغساسنة يمدح عمرو بن الحارث الأصغر. ثم رجع إلى صديقه مستشفعاً بالفَزاريَّيْن، فعفا عنه الملك. وأنشده النابغة بعد ذلك اعتذارياته البديعة، كما أعطى قبيلته حظاً من شعره مدافعاً عنها ومؤيِّداً لها.

فكان جميع ذلك مدعاة لتقدير منزلته السامية في الشعر. وقد حمل هذا معاصريه في الجاهلية على أن يضربوا له قبة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها. وأول من أنشده منهم الأعشى ثم حسان بن ثابت ثم غيرهما، كما أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشريد.

هذا هو النابغة وما يتميّز به بين الشعراء. وهو وإن كان وبشر بن خازم يُقْوِيان، فقد استحوذ ببليغ قوله وسحر بيانه على كل من خالطه أو قرأ له. وهكذا عَلِق شيخنا الإمام بشعره، وانصرف إلى النظر فيه

ص: 539

والعناية به. وقد كان موقفه منه مثل موقفه من الأعشى قبله، وموقفه من بشار بعده. والثلاثة فحول يحرص الدارس على جمع أقوالهم، والبَحث عن المزيد من آثارهم.

فالأسباب التي دعت المحقق إلى تتبع أبيات قصيدة المحلّق في مظانّها، والقيامِ بعد جمعها قدرَ الوسع بترتيبها وبناء وحدتها، هي التي حملته على طلب أشعار النابغة في مختلف المراجع والمصادر. ولم يكن المطبوع من شعر أبي أمامة، الذي وقف عليه شيخنا يومئذٍ، غير ما صدر عن المطبعة الوهبية بمصر 1293، أو ما ضمّنه لويس شيخو مجموعته شعراء النصرانية التي ظهرت ببيروت 1307/ 1890. وبعد مراجعته للديوان في طبعتيه، إن صحّ القول، تبيّن للإمام أنّ بهما نقصاً، وأن شيخو لم يُخْرج ما وقف عليه من شعر النابغة، حتّى قام بتجريد شرح عاصم بن أيوب البطليوسي، مضيفاً إليه ما عثر عليه من أبيات للنابغة في كتب اللغة والأدب، مثل لسان العرب لابن منظور، ومعجم البلدان لياقوت الحموي. وبهذا حصل له خلط فيما جمعه من أبيات للنابغة الذبياني وما عزاه إليه خطأً من شعر النابغة الجعدي أو غيره. وسبب ذلك قلّة التثبّت وعدم التحرّي أحياناً، كما حصل له، بجعله مع عدد من الجاهليين المبدعين من شعراء النصرانية، وَهْمٌ. فاستوجب ذلك مناقشة الإمام لآرائه وإبطاله لمزاعمه.

واستدراكاً على هذه الجهود النافعة أصبح ديوان النابغة في حاجة إلى من يجمع شتاته ويقيم نصوصه ويرتّبه، مع الشرح الذي لا غنى أحياناً عنه، لِما في بعض ألفاظه من وعورة، وبعض تراكيبه وجمله من خفاء أو دقَّة. وقام الإمام الأكبر بهذا العمل الجليل لأول مرّة معتمداً فيه على مصدرين هامَّين هما:

ص: 540

أولاً: شرح أبي جعفر النحاس للديوان. وهو ما يزال مخطوطًا، ومنه نسخة بالأحمدية بجامع الزيتونة.

وثانياً: شرح عاصم بن أيوب البطليوسي له. وهو مطبوع.

وفي بيان منهجه في التحقيق يقول شيخنا في المقدمة التي وضعها بين يدي الديوان: جمعته مبتدئاً بما اتُّفق على إثباته، معبراً عن هذا بقولي: قال النابغة أو نحوه، دون عزو إلى أحد الشرحين لاتفاقهما عليه، ثم أذكر ما انفرد به أبو جعفر في شرحه معزواً إليه، مع التنبيه في جميع ذلك على اختلاف الروايات في الألفاظ، وفي ترتيب الأبيات. فأثبت ما يوجد من شعر النابغة المجموع في ديوان الشعراء الستة الموجود بجامع الزيتونة والمعروف بالعقد الثمين. وفيه أشعار امرىء القيس، وعلقمة بن عبدة، وزهير، والنابغة، وطرفة، وعنترة. منسوباً ما فيه من شعر النابغة إلى رواية الأصمعي. وضممت إلى ذلك ما خلا عنه كلا الشرحين. فألحقت بكل حرف من حروف القوافي ما حصل لدي من شعر النابغة، وعبرت عنه بالملحقات، منبّهاً على ذكر مَن نَسَبَه إلى النابغة، مع بيان مرجعي في ذلك.

وقد كان هذا العمل الجاد صعباً ومفيداً بدون شك. حمله عليه ما كان يراه من قصور أئمة اللغة والأدب الذين جعلوا من شعر النابغة محطاً لهممهم ولم يعيروه مع ذلك من الاهتمام ما وفّروه لنظرائه وما هو له أهل (1).

وقد توصّل عن طريق عمل شيخنا الدؤوب والدقيق، المتأدبون وأهل هذا الشأن، إلى الوقوف على أكثر شعر النابغة. وتمكّنوا من اكتشاف أسراره، ونواحيه اللفظية والبلاغية بفضل شرحه له، وتعاليقه

(1) محمد الطاهر ابن عاشور. ديوان النابغة: 5، 7.

ص: 541

عليه التي نبّه إلى خطته فيها بقوله: "علّقت على ما يحتاج إلى التعليق من الأبيات بتفسير غريب المفردات، وبيان المعاني الخفية دون تطويل مما لم يعرَّج عليه في شرح عاصم بن السيد البطليوسي الذي هو المطبوع الوحيد. ورأيت ذلك كافياً لإقبال الذين لهم تأهل لمطالعة الديوان حتّى تقع لديهم طبعة علمية منه"(1).

وقدم المحقق بعد هذا تكملة لعمله النفيس بقوله: هذه أبيات منسوبة إلى النابغة بعضها أثبته لويس شيخو، وبعضها موجود في ديوانه المطبوع بالمطبعة الأهلية ببيروت قبل سنة 1916، والأكثر موجود في ديوانه المطبوع بمطبعة المكتبة الأهلية 1347/ 1929. وكلها لم أره منسوباً إليه في نسخة ديوانه، الذي شرحه البطليوسي ط، ولا في نسخة المخطوطة التي شرحها أبو جعفر، وجملة ذلك 49 بيتاً.

وإن ما أحدثه هذا التحقيق من هزّة في الأوساط العلمية والأدبية قد دفع العلماء والنقاد، بدون شك، إلى مزيد من الالتفات إلى شعر النابغة بجعله محلّ دراسة، وموضع عناية بالغة والتفت إليه الباحثون والمحقِّقون من عرب ومستشرقين، فعرفوا بكثير من مصادره.

* * *

(1) محمد الطاهر ابن عاشور. ديوان النابغة: 8.

ص: 542