الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: حديث أنس رضي الله عنه
-، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار:"إنكم سترون بعدي أَثَرَةً وأموراً تنكرونها". وقال عبد الله بن زيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض"(1).
اشتمل هذا الباب على ستة أحاديث، هذا أقصرها، وتعدّدت محامله بالنظر إلى طرفيه أوله وآخره. ومورده، كما يدل عليه عنوان الباب، أن الأنصار رضوا على أن أعطى رسول الله رجالاً من قريش من فيء هوازن، غير أن فريقاً من حدثانهم كرهوا ذلك، ثم تبيّنوا الحق فآبُوا إلى الله ورسوله ورضوا بما فعله. وهذا الذي أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم تألفاً لقريش كان من قسمه الخاص به، وهو خُمس الخُمس، كما يرى ذلك الإمامان مالك والشافعي.
ولو كان من أصل الغنيمة لاستأذن الرسول المسلمين فيما هو من ملكهم، وراجع السهم. ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء القبائل والعشائر جائز، لما فيه من تقوية الإسلام وشوكته وأهله، وما فعله من ذلك لم يكن عبثاً ولا قدّره سدى بل هو عينُ المصلحة والحكمة والعدل والرحمة. وهذه الأثرة الأولى التي رضيها الأنصار غير طامعين من ورائها في شيء، ولكنه الإخلاص لله ورسوله ودينه، فاقتضت من الرسول أن يُوصيهم بالصبر على الدوام فيما يقضيه الله ورسوله.
وقد اختُلف في الأثرة الثانية على أقوال، أظهرها أنها الخلافة آثر بها قريشاً، ووردت بذلك السنة، وادَّعاها كبار الصحابة يوم السقيفة، فلم يتردَّدوا في ذلك لكونها حقاً وليست من الباطل. فالصبر على ذلك صبر واجب، له دخل في الوفاء للدين والإخلاص لله ولرسوله.
(1) خَ: 93 كتاب الفتن، 2 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: سترون بعدي أموراً تنكرونها. ح 2: 8/ 87.
وقيل: ورد الحديث إيصاء من الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار بالصبر على الجور إن نزل بهم حرمانٌ من حقوقهم، وهذا صبر غير واجب. وقد ذيّل الإمام الأكبر نصَّ هذا الحديث بما نقله عن أنس من قوله:"فلم نصبر". ولعل في هذا إشارة إلى ما كان بين الأنصار ويزيد بن معاوية من نزاع كانت عاقبته وقعة الحرّة.
ولم يترك المؤلف هذا الفهم بدون نقاش. فقال: إن أنساً أخذ بعموم الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: "فاصبروا" على وجه الاحتياط. وهذا لا يصحّ، لكون الفعل لا عموم له، ولأن لفظ "أثرة" نكرة واردة في سياق الإثبات فلا تفيد عموماً، فالحمل على هذا حمل بعيد، ولا يعدُّ الأنصار مخالفين لما أمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويمضي بعد هذا مؤكَّداً لمعنى الأثرة الثانية بأن القصد منها تخصيص المهاجرين بولاية الأمر من بعده. يشهد لذلك ما ورد من زيادة في حديث أنس في باب مناقب الأنصار: "قال: دعا النبي الأنصار إلى أن يُقْطِعَ لهم البحرين. فقالوا: لا، إلَّا أن تُقْطِعَ لإخواننا المهاجرين مثله. قال: إما لا، فاصبروا حتى تلقوني، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة"(1). وكان في ذلك منهم تعلق بما وصفهم به القرآن. فحرصوا على أن لا يُؤثَروا على المهاجرين بمزية. فجاء الحديث تذكيراً بمنقبتهم هذه خشية أن تحملهم الأنفة على منازعة المهاجرين فيما آثرهم الله به من ولاية الأمر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم (2).
* * *
(1) 63 كتاب مناقب الأنصار، 8 باب قول النبي للأنصار: اصبروا حتى تلقوني على الحوض، الحديث الثالث. خَ: 4/ 225.
(2)
النظر الفسيح: 129 - 131.