المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

بما ذكره من آيات، وعرضه من أحاديث، وبيّنه من سير وأخبار من ناحية، وبما أوضحه من كليّات أساسية، وأصول قطعية، ومقاصد شرعية تمثل بحق الاتجاه الديني والعلمي والفكري الذي التزم به الإمام وبرهن عليه. فكان ذلك رابطاً بين كتبه، وشاهداً لما يمثله من مدارك عقلية وخصائص علمية، أضاف بها مترجمنا لبنات إلى جدار البحث العلمي تدل على عمق نظره، وصحة استنتاجاته الفكرية والعلمية، وبخاصة في ميادين العلوم الشرعية، كما سنفصله بإذن الله عند تعريفنا بكتاب المقاصد.

‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

وقد كان التفاته إلى المقاصد الشرعية حجرَ الزواية في كل التصرّفات وما يصدر بها من أوامر ونواهٍ جعلها من الفطرة ونعتها بكونها من أشهر صفات الإسلام وأبرز مقاصده.

- ودعوة التشريع الإسلامي إلى إقامة القضاء لتمييز الحق، وتعيين صاحبه، في جزئيات الحوادث بين الناس ومخاصماتهم مقصدان عامان أساسيان، متى كان القاضي معظِّماً للشريعة في نفسه، عدلاً، متّقياً الخروج عن أحكام الشريعة، ملحوظاً بعين الإجلال والحرمة فيهما لما يعرض عليه من القضايا، شجاعاً، ثابت الرأي، لا تأخذه في الحق لومة لائم (1).

- والشريعة، كما فصّل العلي القدير أحكامَها، إنما كان القصد من تشريعها ودعوة المكلفين إلى الأخذ بها، الامتثالَ لأحكام الدين.

(1) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 190.

ص: 704

وقد ذكر ذلك المؤلف في مقاصده حين قال: إذا رخص الإسلام وسهل فقد جاء على الظاهر من سماحته، وإذا شدّد أو نسخ حكماً من إباحة إلى تحريم أو نحو ذلك فلرعي مصالح الأمة والتدرج بها إلى مدارج الإصلاح والرفق. وعلى هذا الأساس يكون القصد من مخاطبة الأمة بالشريعة امتثالَهم لها، وأن يكون عملهُم بها كاملة. وهذا المقصد لا يناسبه وضع الشريعة للاستدلال بالنسبة لعموم الأمة، لأن الطريق الذي سلكوه بعد إيمانهم إنما هو طريق التسليم والامتثال (1). وبهذا يتحقق المطلب الأساس بعد الإيمان وهو الاستقامة. روى أبو عمرة الثقفي أنه قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً. قال: قل: آمنت بالله ثم استقم (2).

- وضبط الأحكام الخمسة من حل وحرمة وندب وكراهة وإباحة للسلوك الذي يتعين على المؤمن الالتزام به في هذه الحياة. ومن أجل تحقيق مطلب الاستقامة الذي قضت به الشريعة وجعلته مقصداً من مقاصدها، يقول الشيخ الإمام الأكبر: إن للأحكام الخمسة آثارها من الأعمال. ولا يستقيم حال المسلم إلا بجميعها. وإنما تتفاوت مراتب الصلاح في الزيادة والنقصان مما يقبل الزيادة والنقصان منها. فالرجل الصالح ينقص من الأشياء المفضولة ليتفرغ بذلك النقص إلى التوفير من الأشياء الفاضلة، وغير الصالح بعكس حاله. ومرتبة الواجبات والمحرّمات لا تقبل زيادة ولا نقصاناً لأن النقصان من الواجبات والزيادة من المحرمات عصيان (3). ويثبت المرء على دينه

(1) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 118 - 119.

(2)

ملا علي قاري. مرقاة المفاتيح: 1/ 261، 95.

(3)

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 77.

ص: 705

فلا يستهويه انحراف ولا تغشاه ضلالة كلما تدبّر الأحكام الشرعية. فإن جميع تصرفات المؤمنين في تلقي دينهم تجري على اعتبار أحكام الشريعة معلّلة ومنوطة بحِكَمٍ.

وهكذا فإنه لا يتصور أن ينقاد المسلم إلى أحد السبيلين إلا بما تفصح له به الشريعة من جلب للمصالح ودرء للمفاسد. وهذا مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية. وملاك الأمر في تقدير هذا النظر المقصدي المبرر للأعمال أو الصارف عنها، أن أصل نظام صلاح الأعمال النظرُ إلى المصلحة والمفسدة المطروحتين أو الغالبتين. وربما تعارضت المصالح فاقتضى الأمر الترجيح، وهو ما أثنى الله به على المؤمنين عند التقائهم بالمشركين في الحديبية، إذ قبلوا تأجيل العمرة إلى العام القابل، وأزالوا البسملة من الصحيفة، وغيّروا وصف الرسول بذكر اسمه، ترجيحاً لما في ذلك من مصلحة الأمن (1). ثم إن من الأعمال ما تجب فيه مراعاة حال غير العامل. وتلك هي المعاملات بين الناس التي حدّدها الرسول بإقامة العدل بينهم، وجعل القاعدة العامة لذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار"(2).

ومن المقاصد الشرعية التي ذكرها الإمام الأكبر في أصول نظام الاجتماع الإسلامي ما له ارتباط بسلوك الأمة كاملة: مثل تكثير سوادها، وإيجاد جامعة لها، وتأكيد الأخوة بين جميع أفرادها، وردع المرتدين عن الملة المفارقين لها، وحفظ الأمة وحمايتها مما يذهب بقوتها وعزتها ووحدتها.

(1) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 136.

(2)

خرجه علي الندوي وذكره في القواعد العامة الفقهية. موسوعة القواعد والضوابط الفقهية: 1/ 49.

ص: 706

أما تكثير سواد أتباع الإسلام، وهو غاية ومقصد، فهو من توابع مقاصد عموم الدعوة بقدر الإمكان، وصولاً إلى تعميم الدين وتسهيلِ سبيل الدخول فيه على راغبيه (1).

والقصد من إيجاد الجامعة الإسلامية إقامة رابطة دينية مقدّسة تصغر أمامها الروابط كلها. وقد اتخذ القرآن سبيله إلى ذلك بدعوة أتباعه ليكونوا أمة واحدة، تجمعها وحدة الاعتقاد والتفكير والعمل الصالح (2). قال تعالى:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} (3).

ومن أجل مساندة هذه الجامعة الدينية العقلية ودعمها وصف الله المؤمنين بهذا الدين بالأخوة فيه، أخوة روحية ليس للمادة حظ فيها. لذلك لم يرتِّبْ الإسلام عليها إلا الأحكام الروحانية القلبية من صدق الود، واعتبار التساوي، ومدّ يد المعونة، والمواساة ونحو ذلك. ولم يرتب عليها شيئاً من آثار الأحكام المادية. ولكنه جعل الأسباب المادية غير معتبرة وحدها حتى تنضم إليها الأخوة الإسلامية. ولذلك تقرر مثلاً حكمُ الإسلام أن لا يرث الكافر المؤمن ولا المسلم الكافر (4).

وما كان الأئمة من أسلافنا يدعون إليه، من أجل حفظ الأمة في عقيدتها، من معاقبة المرتد فَلِنَقْضِه العهدَ الذي دخل به في الإسلام. ولكونه بمروقه عن الدين أصبح مثلاً سيِّئاً يجب على أمته أن تطهر نفسها من وجوده لكي لا ينفرط عقد الجامعة بالانسلال

(1) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 112.

(2)

المرجع السابق: 108.

(3)

الشورى: 18.

(4)

حَم: 5/ 201، 202، 209.

ص: 707

عنه، ولئلا يتواهن الداخل في الإسلام بأن يدخله تجربة، فإن وافق أهواء أعماله استمر فيه وإلا انعزل عنه، ولئلا يوهم ضعاف العقول بانخزاله أنه جرّب الدين فوجده غير مرضي، ولئلا يكون الدخول في الدين من ذرائع التجسس على الأمة (1).

وإقامة حكومة إسلامية للمسلمين أصل من أصول التشريع. وهو ما ثبت بالكتاب والسُّنة. ولذا كان عليها الاهتمام بالإصلاح العام في السياسة. وهذا الذي يقتضي من جهة مبادرة الدولة إلى إجراء المصالح المأمور بها لجلب ما يستطاع من النفع، ودفع ما يتوقّع من الضرر بجميع الأمة جماعة وأفراداً (2).

ومن جهة ثانية الحفاظ على الأمة بصون نظامها ودعم سلطانها وجعلها مرهوبة الجانب محترمة منظوراً إليها في أعين الأمم الأخرى نظرة المهابة والوقار. قال تعالى: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} (3). وهذا القصد لا يتحقق إلا بالدفاع عن الحوزة، وهي حدود البلاد ونواحيها، وحماية البيضة وحفظ الأمة الإسلامية من اعتداء عدوها عليها، وحفظ الإسلام من أن ينتزع عدوّه منها قطعة، أو يتسرّب إليها (4). ويلخص هذه المعاني والمقاصد المختلفة قوله عز وجل {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} (5).

فأصول النظام الاجتماعي للإسلام أتت متساوقة مع كل الفنون

(1) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 171 - 172.

(2)

المرجع السابق: 231.

(3)

الحشر: 13.

(4)

أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: 215 - 216.

(5)

الأنفال: 26.

ص: 708

والموضوعات التي شغل بها الإمام الأكبر نفسه. وهكذا يكون تصوير الجانب الفكري من حياته محتاجاً هو في ذاته إلى أن تفرد أغراضه وعناصره بالبحث والدراسة كما هو الشأن عند رجال العلم لإبراز أسرار النظر ونتائج الفكر في تلك الآثار العلمية والأدبية القيمة التي صدرت عن الشيخ الإمام.

هذه محاولة أرجو أن نكون وفقنا فيها لتصوير جوانب مفيدة من حياة الإمام الأكبر. والله من وراء القصد.

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(تمّ الجزء الأول بحمد الله تعالى)

* * *

ص: 709