الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمراصد، مراعاة للأحاديث النبوية، والحقائق العلمية (1).
3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه
ورد هذا السؤال على الشيخ ابن عاشور طلباً لبيان حقيقة هذا الأمر وتطلعاً إلى وجه الحكم فيه. فكتب يقول أولاً:
إن السنّةَ في المحتضِر، وفي تشييع الجنازة، وفي وقت الدفن هي الصمت للتفكر والاعتبار. فإذا نطق الحاضر فليكن نطقه بالدعاء للميت بالمغفرة والرحمة. فإن دعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب مرجوّة الإجابة. وأما قراءة القرآن على الميّت حين موته، أو حين تشييع جنازته، وحين دفنه فلم تكن معمولاً بها في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمان الصحابة، إذ لم ينقل ذلك في صحيح السنّة والأثر، مع توفر الدواعي على نقله لو كان موجوداً، إلا الأثر المروي في قراءة سورة يس عند رأس الميت، على خلاف فيه. ولهذا كان ترك القراءة هو السنّة، وكان أفضل من القراءة في المواطن الثلاثة المذكورة.
وبعد هذا التقرير الذي لا يدفعه دافع ولا يردّه منكر، التفت الشيخ إلى بيان حكم من فعل ذلك. وهذا القسم من الإجابة هو المبحوث فيه على الحقيقة والمختلف عليه. فجاء في الجزء الثاني من فتواه قوله: وحينئذٍ تكون قراءة القرآن في تلك الصورة إما مكروهة، وإما مباحة غير سنة فتكون مندوبة، وإما مندوبة في بعضها دون بعض.
وفي ختام هذه الفتوى ورد قوله: وعليه فكل من يتصدّى لمنع
(1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بجدة: 37.
أقارب الأموات من تشييع جنازتهم بالقراءة فقد أنكر عليهم بغير علم، واجترأ عليهم بالتدخل بدون سبب يحق له
…
فإن هم تجوزوا ذلك، فحق على ولاة الأمور في البلدان أن يدفعوا عن أهل المأتم عادية من يتصدى بزعمه لتغيير المنكر دون أن يعلم. وتفصيل القول في ذلك يعود أولاً إلى ما يشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من خصال تقتضي أن يكون رفيقاً بما يأمر، رفيقاً بما ينهى، وعدلاً بما يأمر، عدلاً بما ينهى، وعالماً بما يأمر، عالماً بما ينهى (1).
فإن لم يقدر الداعي على القيام بواجب الدعوة إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه. وذلك إنما هو إلى السلطان، لأن شهره للسلاح بين الناس قد يكون مخرجاً للفتنة، وآيلاً إلى فساد أكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2). وإلى هذا المعنى أشار بعض المفسّرين حين قالوا: لا بد من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. والذي يقرر هذا المعنى هو مدلول النص القرآني ذاته. فهناك دعوة إلى الخير، ولكن هناك كذلك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. وإذا أمكن أن يقوم بالدعوة غير ذي سلطان فإن الأمر والنهي لا يقوم بهما إلا ذو سلطان.
وقد عزز الإمام الأكبر هذه المعاني بقوله: وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط مبيّنة في الفقه والآداب الشرعية، إلا أني أنبّه إلى شرط أساء فهم بعض الناس له، وهو قول بعض الفقهاء: يشترط أن لا يجرّ النهي إلى منكر أعظم. ولما كان تعيين الكفاءة
(1) الخلال. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 79 - 80.
(2)
ابن العربي. الأحكام: 1/ 383.