الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المتنبي:
عشِيَّةَ يعدونا عن النظرِ البُكا
…
وعن لذَّة التوديع خوفُ التفرُّق (1)
وأتى الشيخ بعد ذلك باختيارات للمرزباني، توسعاً في متفرّعات هذا الغرض. فذكر من مروياته عنه اختياره لمقالة قيس العامري في تدارك سيلان الدمع، وبيت المخبّل في نعت الوجوه، وقول عدي في صفة العيون، وكلام قيس في نعت الدمع، واستعمال البحتري له على وجه التورية إلى المدح، وأبيات بشّار وأبي العتاهية في الاعتذار عن الدمع، وسبق أول القولين من هذين على الثاني.
البيت السابع من الواضح
قال المتنبي في مدح كافور:
مَنِ الجآذرُ في زيّ الأعاريبِ
…
حُمْرُ الحُلَى والمطايا والجلابيب
قال أبو الفتح: جعل كونَهُنّ جآذرَ حقيقة، وجعل كونهنّ أعاريب مجازاً، وذلك للمبالغة في الصنعة.
قال أبو القاسم: ليس للمجاز والحقيقة محلّ في هذا البيت ولا مدخلٌ، وإنما جعَلَهنّ جآذرَ لنَجَل العيون وحَوَرِها، وهُنّ في الخلقة نساء. وأيّد الإمام الأكبر الرأي الأوّل قائلاً: لعلّ فهم أبي الفتح أرشق، لأن الشاعر لما استفهم عن كونها في زي الأعاريب أوغَلَ في تخيُّلهن جآذر فالاستفهام ترشيح للاستعارة.
قال أبو الفتح: حُمْرُ الحلى أي هنّ شِرَاف، وكذلك الجلابيب.
قال أبو القاسم: ليس هذا بشيء، إنَّما المعنى أنَّهن حسان
(1) الأصفهاني. الواضح: 30 - 32.
يَلبسنَ حسان الملابس، استضافة جمال إلى جمال. وروى الأصمعي في كتاب الأجناس أن العرب تقول: إن الخمار الأسود يَشُبّ لون المرأة أي يُنَوّرُهُ ويَجْلُوه، وكلَّما ازدادت الظلمةُ سواداً ازدادت الأنوارُ ضياءً، والعرب تقول: الحُسْنُ أحْمَرُ، ومنه قول بشّار:
وخُذي ملابسَ زينَةٍ
…
ومُصبَّغَماتٍ هُنّ أنوَرْ
فإذا دخلن فادخُلي
…
في الحُمرِ، إنّ الحُسنَ أحمَرْ
وذكر ابن الرومي معنى هذا البيت في قوله:
قل للمليحة في الخمَار المُذْهَبِ
…
أفسدتِ نُسكَ أخي التُّقَى المُترهِّبِ
وجمعت بين المذهَبَين فلم يكُن
…
للحُسن في ذهبَيهما مِنْ مَذْهَبِ
والعلماء يقولون: في قولهم: الحسن أحمر، وجهاً آخر. وهو أنه يُخاض فيه الشدائدُ حتى إن الدم يراق فيه، كما يقولون: الموت أحمر. وهو الذي يراق فيه الدم (1).
وقد فات أبا الفتح وأبا القاسم ملاحظةُ التناسب فيما بين هذا البيت:
مَنِ الجآذرُ في زيّ الأعاريبِ
…
حُمْرُ الحُلَى والمطايا والجلابيب
وبين الذي يليه:
إذا كنت تسأل شكاً في معارفها
…
فمن بلاك بتسهيد وتعذيب
إذ جاء البيت الثاني تحسيناً للبيت الأول من القصيدة ليناصر بذلك حسن المبدأ (2).
(1) الأصفهاني. الواضح: 33 - 34.
(2)
الأصفهاني: 33، 34؛ حازم:307.