الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان
جمع هذا الكتاب أسماط اللآلي في الترجمة لذوي الرئاسة والمقام من الوزراء والكتاب والقضاة والأدباء والأعلام. ونوّه به محقِّقُه قائلاً: "هو الكتاب الذي طار صيتُه في الأزمان، فخلّد للأندلس بين أهل الأدب ذكراً معطاراً، وأقام في كلّ مسلك من مسالك المعرفة مناراً. كتاب لم يخلُ ناشىءٌ في الأدب عن الشوق إليه، ولا مبرَّزٌ من أن يكون بين يديه. فهو ديوان أدب في جواهره وأعراضه، جامع لأفانين الإنشاء وأغراضه"(1).
حوى هذا الكتاب أصنافاً من الأدب من قصائد وأراجيز طويلة، وقطعاً من الشعر والنظم والرقاع والمجاوبات، وكذلك الأمثال والمخاطبات السلطانية والضهائر، والمراسلات الإخوانية والغرامية.
وممّا يدل على عالي رتبة أبي نصر الأدبية ومنزلتِه البيانية بين معاصريه، ما ورد في خطاب أبي محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن جعفر بن الحاج إليه من قوله:
واحدي أبا النصر، مثنّى الوزراء، كيف أستسقي لموضع
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. المقدمة: 17.
احتلالك، وحسبُهُ صوبُ نوالك، وأمتري الغمام لمنازلك، وقد كفاها فيض أناملك، تُرسِل من نوافلها دِرراً، وتنظم في لبات الزمان من محاسنها دُرراً (1).
وكذلك ما راسله به الوزير أبو محمد بن القُبْطُرنه من قوله:
وكيف أجاري سابقاً لم تقم له
…
هبوب الصبا والعاصفاتُ الخواطر
إذا قيل: من هذا؟ يقولون كاتب
…
وإن قيل: من هذا؟ يقولون: شاعر
وإن أخذ التحقيقُ فيه بحقّه
…
فقيل: من هذا؟ يقولون: ساحر (2)
وممّا كتبه الوزير الفقيه صاحب الأحكام أبو محمد ابن سماك من رسالة خاطب بها صاحبه مؤلف القلائد:
إن أبا النصر ناظم سِلك البلاغة، وقائدُ زِمام البراعة، سحبانٌ في زمانه، وقسٌّ في أوانه، وابن المقفع في مكانه، والجاحظ في بيانه. إذا أوجز أعجز، وإذا شاء أطال، وأطلق من البلاغة العقال، وأتى من ذلك سحراً حلالاً، وسقاه عذباً زُلالاً. أصّل للكتابة أصولاً، وفضل أبوابها تفصيلاً، وحصّل أغراضها تحصيلاً (3).
ومن هذه الشهادات الشريفة والأوصاف المنيفة ما كتب به الفقيه الأستاذ أبو محمد عبد الله بن السيد البطليوسي إليه يصف قلائده:
تأملتُ، فسح الله لسيدي ووليي في أمد بقائه، كتابَه الذي شرع في إنشائه. فرأيت كتاباً ينجد ويغُور، ويبلغ حيث لا تبلغ البدور، وتبينُ به الذُّرى والمناسم، وتغتدي له غُرَرٌ في أوجه ومراسم. فقد
(1) القلائد: 346.
(2)
القلائد: 356.
(3)
القلائد: 506.
أسجد الله الكلام لكلامك، وجعل النيرّات طوعَ أقلامك. فأنت تَهدي لنجومها وتُردي برجومها. فالنَّثَرة من نثرك والشّعرى من شعركَ، والبلغاء لك معترفون، وبين يديك متصرّفون. وليس يباريك مبار، ولا يجاريك إلى الغاية مجار، إلا وقف حسيراً وسبَقتَ، ودُعي أخيراً وتقدَّمت. لا عدمت شفوفاً، ولا برح مكانُك بالآمال محفوفاً، بعزة الله تعالى (1).
ومؤلف القلائد هو أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي الأشبيلي. وهو سميّ الوزير الفتح بن خاقان كاتب الخليفة المتوكّل العباسي. سمّي باسمه ثم لقب بلقبه لخبر أورده مترجموه. مولده سنة 480. وأصله من قرية الواد، إحدى قرى قلعة يحصب، من كورة ألبيرة. وتوفي قتيلاً بتدبيرٍ وإغراءٍ من الأمير علي بن يوسف بن تاشفين بمراكش 528، ودفن بباب الدباغين.
ومشائخه كُثر ترجم لبعضهم في كتابه القلائد: منهم:
أبو عبد الرحمن محمد بن طاهر: 6
أبو بكر بن سليمان ابن القصيرة: 11
أبو محمد بن عبدون: 20
أبو الحسن بن سرّاج: 40
أبو بكر ابن العربي: 56 (في نسخة مشهد).
وذكر المقَّري عدداً من شيوخه. منهم:
أبو علي الصدفي: 2/ 90
أبو جعفر بن سعودن: 7/ 30
أبو خالد بن بشتغير: 1/ 666؛ 7/ 30
(1) القلائد: 479 - 480.
أبو الطيب بن زرقون: 7/ 30
أبو عامر بن سرور: 7/ 30
أبو الوليد بن الحجاج: 7/ 30
أبو عبد الله بن خلصة الكاتب: 4/ 100؛ 7/ 30
ابن دريد: 7/ 30
ومن بين معاصريه:
أبو عبد الله بن أبي الخصال: 29
أبو محمد بن السِّيد البطليوسي: 39
القاضي أبو الفضل عياض بن موسى: 47
أبو بكر بن باجه (ابن الصائغ): 64
وترجم له غير واحد من المؤرّخين ونبّهوا على علوّ منزلته في الأدب.
ترجم له ابن خلكان، وياقوت، والصفدي من المشارقة، وابن الخطيب، وابن سعيد، وابن عذاري، والحجاري، وابن دِحية، والمقرّي من الأندلسيين والمغاربة.
وممّا أوردوا من أخباره أنه، رغم أدبه الرفيع وبيانه البديع، كان بذيَّ اللسان يذمّ أولي الأحساب، ويكثر بالطعن على الأدباء والكتّاب. وقد غلبت عليه شَقوتُه فكان مجازفاً مقدوراً عليه، لا يملّ من المعاقرة والقصف حتى هان قدرُه وابتذلت نفسُه وساء ذكره (1).
وخير من جمع بين أوصافه وصفاته، وقارن بينه وبين لداته، ابن سعيد في مُغربه حين يقول:
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. المقدمة: 14.
فخر أدباء إشبيلية بل الأندلس أبو النصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي الإشبيلي صاحب القلائد والمطمح. ذكره الحجاري في المسهب. الدهرُ من رواة قلائده، وحملةِ فرائده. طلع من الأفق الإشبيلي شمساً طبّق الآفاقَ ضياؤها، وعمّ الشرق والغرب سناها وسناؤها. وكان في الأدب أرفعَ الأعلام، وحسنةَ الأيام. وله كتاب قلائد العقيان. ومن وقف عليه لا يحتاج في التنبيه على قدره إلى زيادة بيان. وهو وأبو الحسن بن بسام الشنتمري مؤلف الذخيرة فارسا هذا الأوان، وكلاهما قس وسحبان، والتفضيل بينهما عسير، إلا أن ابن بسام أكثر تقييداً، وعِلماً مفيداً، وإطناباً في الأخبار، وإمتاعاً للأسماع والأبصار. والفتح أقدر على البلاغة من غير تكلّف، وكلامه أكثر تعلّقاً وتعشّقاً بالأنفس. ولولا ما اتّسم به مما عرف من أجله بابن خاقان، لكان أحد كتاب الحضرة المرابطية، بل مجلِّيها المستولي على الرهان. وإنما أخل به ما ذكرناه (1).
وله إلى جانب القلائد والمطمح، راية المحاسن، ومجموع رسائل، وكنز الفوائد، وحديقة المآثر.
وقد حملَ الإمامَ الأكبر على العناية بـ قلائد العقيان ما فيه من رواء وتناغم وإبداع من جهة، وانصرافُ أهل البيان عنه، تاركين التجمّلَ به والنظر المرّة بعد المرّة فيه لِبطالة الشبان، ولَعاً من هؤلاء بما وصفه الفتح من مجالس الخمر والقيان، ومَا أنشده من غزل في الحسان.
ولعلّ من أوكد الأسباب للإقبال عليه والعنايةِ به ما وصفَهُ به الشيخ رحمه الله في قوله في مقدمة التحقيق: إنه جم الفوائد لغةً
(1) النفح: 7/ 33.