الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من اللغة ما كانت تعرف به من فصاحة وإبداع وعمق وإمتاع.
أسباب تدهور العلوم اللسانية
من أشدّ الأسباب، تأثيراً على هذا اللسان وإضعافاً له وإعجاماً، وجود فئات ثلاث:
1 -
كتّاب تلقوا اللسان العربي تلقِّياً علمياً صناعياً لا سماعياً ذوقياً، تشهد لهذا قصص كثيرة أودعها الأبشيهي كتابه المستطرف في جماعة من النحاة تنكيتاً عليهم، بذكر أخطائهم.
2 -
الأدباء والشعراء المولَّدون، ممن أفسدوا المجاز والاستعارة، ناسِين أن القصد منهما تخييل المعاني وإحضار صورها في الأذهان.
3 -
طائفة من غير المحقّقين أفسدت اللغة بتفسيرها ألفاظ القرآن بقوة معنى الكلام من غير رجوع إلى أصول تلك الكلم ودلالاتها فيما تعارف عليه أهل اللسان مما جرت به الاستعمالات العربية. فترتّب على ذلك كثرة المشترك من الألفاظ، وتداخلت المعاني، واختلطت الحقيقة بالمجاز، وهم في غفلة عن الإبدال في لهجات العرب، مع مبالغتهم وتوسّعهم في معاني الحروف، بما حصل منه التَّشتِيتُ في الأفهام والخلط في المعاني، واستعمال ألفاظ كثيرة دخيلة غير عربية، كما نلمس ذلك في قاموس الفيروزآبادي.
وتوقِّي هذه الآثار لا يكون إلا بتتبّع أساليب العرب الفصيحة، والابتعاد عن سقط الكلام وحوشيِّه، ورعونة التعبير والإجحاف فيه، والحفظ والعناية والتمرّس بالقرآن الكريم بصورة تتّحد بها دلالات الألفاظ، وتسطعُ بها في النفس الصور والاستعمالات الرائعة والأساليب البليغة العجيبة.
ولا شك أن بجانب تلك الأسباب، التي ألمعنا إلى طرق تحاميها والتغلب عليها، أسباباً لا ترجع إلى استعمالات الجهلة باللغة العربية وأسرارها، ولكنها عرضت للغة الضاد نفسها لأسباب:
أولاً: إشراف الأسلوب العربي على الاضمحلال لتقادم العهد به، واحتكام المتحدّثين به إلى اختيارات شخصية، غير مؤصَّلة ولا مقبولة.
ثانياً: سوء التعليم فيها وما تَبِعه من اختلال الأفهام أو جرَّ إليه من استعمالات فاسدة هابطة مختلّة.
ثالثاً: البعد عن أمرين ضروريين لعصمة اللسان من الخطأ، هما حفظ كلام العرب من أشعار وخطب، ومعرفة تاريخ أحوال العرب وعاداتها، ثم جريان الكلام على مناهج مقبولة ومعانٍ مستعذبة وتصوّرات دقيقة. وهو ما يحتاجه الأديب والخطيب والكاتب والشاعر. وذلك برجوع هؤلاء إلى كلامِ العرب نثرِه ونظمِه، والتأدّبِ به والتعاملِ معه تعاملاً يضمن صحّة التأليف وسلامة الحس والذوق، وإلمامهم بتاريخ العرب وأيامها وأهوائها وعاداتها وهو ما تتفاوت به الملكات، وتتمايز به القدرات لدى الأدباء الباحثين عن الأساليب الدقيقة، وعن روائع القول البديعة.
رابعاً: أخلال القواميس اللغوية، والغفلة عن التفقّه فيها لتنقيتها من اختلاط الحقيقة والمجاز في دلالات المفردات، كما فعل الثعالبي في مقدمة فقه اللغة، والزمخشري في أساس البلاغة.
خامساً: صرف العناية عن تحقيق مسميات الأسماء وردُّ ذلك إلى المتعارف عليه والشائع بين الناس منها. وكثيراً ما تكون تلك المسمَّيات لا معروفة على التحديد، ولا مدلولاتها شائعة. ويمكن