الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحماة السنّة والذائدون عنها المحققون لها لم يَأْلُ أحدهم جهداً في نقد الرواة، والتعديل والتجريح، وضبط الأسانيد الصحاح. فوضعت بذلك شروط التخريج، وبينت معاني الحديث، ووَضَع الكتب في مصطلح هذا العلم عمداؤه، حتى أصبح علم الحديث أكثر العلوم الإسلامية إتقاناً وإحكاماً، وكتُبُه أسلمَ من الأخلال التي لحقت غيرها من التصانيف.
أسباب الأخلال في علم الحديث:
ولم يعدّ الإمام الأكبر أكثر من سببين دخل عن طريقهما الأخلال بعلم الحديث هما:
أولاً: اغترار الناس بحسن أحوال الرواة من غير نقد، ووقوعهم في مصيبة الذهول، وإن سلموا من مصيبة التدليس والغرور.
الثاني: قصور الهمم عن مزاولة علم الحديث مزاولة نقد وضبط، والاكتفاء بالإجازات في الاهتمام به وتحقيق الانتساب إليه.
ومن خلال السبب الأول بالخصوص تحدّث الشيخ رحمه الله عن الوضّاعين بمختلف أنواعهم ونوازعهم ودوافعهم، وما ظهر على أيديهم من بوارق الكذب، بالتدليس في الأسماء، وبحذف من يتهمه الناس من رجال الإسناد في مروياتهم، وبما يزيدونه في الأحاديث الصحيحة من كلام غير ثابت. وأمر التدليس متفاوَت فيه فيمن وُسِم به. وكذلك انتشرت المراسيل، واقتضت تمحيصاً ونظراً من أصحاب الخبرة والعلم بالرواية. وقيّض الله لنصرة سنّة نبيه وتشريعاته علماء الملة بانتصاب أهل العلم لضبط السنن وتحقيقها، خوفاً على عامة المسلمين من الانزلاق في الأخطاء، وتحمل الأحاديث الموضوعة والمدلسة، بإيلافهم الدجالين، واستماعهم لهم والرواية عنهم.
وقد انتصب الإمام مالك والبخاري ومسلم ويحيى بن معين ومن سار على نهجهم لرد ما انتشر من الضلالات والإفك، وكانوا يتشدّدون في البحث عن عدالة الرواة. ولم تسلم أكثر المستدركات على البخاري ومسلم، عند الإمام الأكبر، من التساهل في الرواية لا سيما مستدركات الحاكم والبيهقي.
هذا وقد كان للسببين المذكورين فيما لحق علم الحديث من اختلال، أثر كبير في الفقه والعقائد وآداب الدين. ولا بدع إذا وجدَ ذلك كلُّه مواجهةً ورداً من الصحابة رضي الله عنهم وأئمة الهدى رحمهم الله.
فقد روي عن عمر أنه حين روي له حديث فاطمة بنت قيس في نفقة المعتدّة قال: "لا نترك كتاب الله وسُنّة نبيّه لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت"(1).
وقدّم الإمام مالك القياس الجلي والعملَ الثابت بالمدينة على خبر الواحد الصحيح. ونبّه الإمام الشافعي إلى أن السنة لا تُخصّص القرآن ولا تنسخه. ومن الفقهاء والمتقدّمين مَن ردّ الحديث الغريب كابن عبد البر.
ويمكن أن نخلص من هذا إلى بيان وجه الإصلاح في عصرنا لعلم الحديث. وذلك:
أولاً: بسدّ باب التسامح في إيداع الأحاديث الضعيفة كتبَ الحديث، فإن في الأحاديث الحسان بلاغاً لطالب الفضائل.
ثانياً: بطرح الاشتغال بضبط أحوال الرواة بعد ما فحص الحفاظ صحيح الحديث من عليله.
(1) مَ: 2/ 1118 - 1120.