الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإجازة العالم النابغ سيدي عمر بن أحمد ابن الشيخ 1325/ 1908 (1).
ومن جميل عناية الله بي، وسابغ فضله عليّ، اتصالي بهذه الأسانيد كلها وبغيرها، في الخامس من رمضان 1366 بالمرسى، من طريق مقام والدي، أستاذي وشيخي، عميد الزيتونة ومفتي الجمهورية رحمه الله الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور طيّب الله ثراه وتغمّده بواسع رحمته (2).
تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:
بجمع الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بين علوم الرواية والدراية على أكمل وجه، وبتعَمُّقِه الفريد في علوم الوسائل وعلوم المقاصد على وجه شحذت به ملكاته الذهنية، وقدراته العلمية، ومداركه الذوقية اللسانية، وتصوراته الدقيقة للحقائق الشرعية، والآراء والأنظار المقصدية، عجِل - لا كما يعجل كل مُطَوَّع إلى حلقات التدريس من أجل أن ينتسب إلى هذا الجامع انتساب المتعلم والمعلم - ولكن ليبدأ طريق الإفادة، ويتمكن بعد من تدريس أمهات الكتب وأفانين العلوم، على منهج بديع، وأسلوب رفيع، كان يحدّث به نفسه من وقت التحاقه بهذا المعهد، للأخذ عن أشياخه، ونيل مختلف المعارف والآداب منهم وعن طريقهم.
فكان وهو يتوجّه في اليوم الأول إلى حلقة درسه، ليقوم بدوره المجيد في تعليم الأجيال وتلقينها مقوّمات المعرفة، وحقائق العلم، وجميل الأخلاق، وكمال التربية، وحسن الاستعداد، والتضلّع بالطاقات والكفاءات، لمواجهة الحياة والوقوف أمام التحديات،
(1) محمد العزيز ابن عاشور. دائرة المعارف التونسية: 1/ 41.
(2)
دفتر دروس الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة: 11 - 21.
ومسايرة التقدم والرقي، بالأخذ بأسباب النهضة والقوّة، يراجع نفسه ويتحسّر على ما فاته بسبب ما مسّ التعليم الإسلامي من الوهن قائلاً: "وإنّي على يقين أنَّنِي لو أتيح لي في فجر الشباب التشبّع من قواعد نظام التعليم والتوجيه لاقتصدت كثيراً من مواهبي، ولاكتسبت جمّاً من المعرفة، ولسَلِمت من التطوّح في طرائق، تَبيّنَ لي بعد حينٍ الارتدادُ عنها. مع أني أشكر ما منحت به من إرشاد قيّم من الوالد والجَد ومن نصحاء الأساتذة. ولا غِنى عن الاستزادة من الخير (1).
ثم وهو في أول مراحل التدريس يعلّم طلابه مبادىء العربية وقواعد المنطق يشعر بالحيدة عن الحق، ويقوم مع الشيخ محمد الخضر حسين صديقه بنقد ذاتي، يستشعران به في دروسهما إضاعة الأوقات النفيسة عليهما، وعلى من وكل أمرهم إليهما بالتلقّي عنهما من الطلاب. فكتب الشيخ الخضر في رحلته الجزائرية مقالات صرّح فيها بأنّه كان ممّن ابتُلي في درسه باستجلاب المسائل المختلفة الفنون، متوكئاً على أدنى مناسبة، حتى أفضى الأمر إلى ألّا يتجاوز في درسه شطر بيت من ألفية ابن مالك مثلاً. فتراجع قائلاً: ثم أدركت أنها طريقة منحرفة المزاج عن الإنتاج (2).
وقال الشيخ ابن عاشور: وأنا عرَض لي مثل ذلك في تدريس المقدمة الآجُرُّومية. فكنت آتي في دروسي بتحقيقات من الشاطبي على الألفية، وفي درس مقدمة إيساغوجي أجلب مسائل من النجاة لابن سينا. ثم لم ألبث أن أقلعت عن ذلك (3).
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 9.
(2)
مجلة السعادة العظمى: تونس، عدد 19، شوال 1323:300.
(3)
محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 10.