الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرباب العقول من حقائق العقائد الإسلامية وشرائع الإسلام وقوانينه يطبّقونها على الخارج فيجدونها مطابقة للواقع.
الاعتبارات:
والاعتبارات هي المعاني التي يلمحها المعتبر، ويكون لها وجود في ذهنه، لما لها من تعلّق بالحقائق، ولكن وجودهَا تابع لوجود الحقيقة أو الحقيقتين، ومثال ذلك الأمور النسبية كالزمان والمحل، والإضافات كالأبوة. وهنا لا بد أن نذكّر بأن وجود الاعتبارات أضعفُ من وجود الحقائق الثابتة في ذاتها، فهي لا ترقى إليها.
الوهميات:
والوهميات هي المعاني التي يخترعها الوهم من نفسه دون أن تصل إليه عن شيء متحقق في الخارج. ومثال ذلك تصورُ أن في الميت معنى يوجب النفور منه، والخوفُ عند القرب منه والخلوةِ معه. والملاحظ أن الوهم مركب من الفعل والانفعال، لأن الذهن حين تلبّسه به فاعلٌ ومنفعلٌ، فيخترع المعنى الوهمي ثم يدركه. والفعل فيه الواهم أقوى من الانفعال. وفرق بين الوهم والعقل. فالوهم أوسع من العقل في تصوّراته ومخترعاته وتخيّلاته، ولكنه أضيق من العقل في الإذعان لما ليس من مألوفه.
التخيّلات:
والتخيّلات مرتبة أخرى في التصوّرات. فهي المعاني التي تخترعها قوة الخيال بمعونة الوهم. وتتركب من عدة معان محبوسة محتفظ بها في الذهن. والخيال قوة ذهنية بها تحفظ صور
المحبوسات بعد غيبة ذواتها. والقوة الخيالية منبع الفكر إذا استعملتها النفس بواسطة القوّة العقلية، أو بتعاون بين القوّة العقلية والوهمية.
وعلى أساس ما سبق إيضاحه وبيانه تختلف المدركات الأربعة، وتنقسم الشرائع إلى أديان إلهية عمودها الحقيقة والاعتبار. وما عدا الإسلام من الأديان اشتمل على قضايا وأحكام وهمية. وقوام الأديان المخترعة الوهم والتخيّل.
وقد نفى الإسلام الوهم ونبذه، ودعا إلى وجوب الأخذ بالحقيقة الواضحة في الاعتقادات الإسلامية والعبادات وفي المعاملات، وإلى الاعتداد بالحقائق في المعارف والمدارك الشرعية والعقلية.
واعتمدت الشريعة الأمور الاعتبارية فيما لا يصل الإدراك منها إلى الحقيقة مع اليقين بتحقّق حقائقها. وذلك كمعاملات المرء فيما بينه وبين ربه، ومثل الحقائق التي لا ثبوت لها إلا في الذهن، وتصير الشريعة فيها إلى الاعتبار نحو النية وحُسن الظن بالمؤمن.
ويضيف الشيخ ابن عاشور قائلاً: "إن طرق الدعوة في الشريعة قد تأتي بواسطة طريق وهمي أو تخيّلي يطلب به تحصيل عمل أو علم حقيقي أو اعتباري، إذا كان لإثارة الوهم نفع في تحصيل المطلوب. لكنه يؤكّد على أن الفرق شاسع بين جعل الوهم والتخيّل طريقاً لتحصيل عمل أو علم وبين جعلهما أمراً يقصد تحصيله.
ويختم رحمه الله تفصيله لمسائل المدركات الأربعة بدفع إيراد يدّعي أن نفي الوهم ليس عن جميع قضايا الدين الإسلامي، ومثاله كأسباب الوضوء والغسل وتقبيل الحجر ونحوه. ويجيب عن ذلك بأن نفي مراعاة الأوهام في الشريعة الإسلامية هو نفي أن تكون الأوهام