الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض رواياته تتجاوز الإشادة بالمهدي أو التبشير به إلى تعيين المقصود الأخص من منتحليها. فمن تسمية للقبائل التي ينحدرون منها، مثل تميم وكلب وأهل الشام وأهل العراق، ومن تسمية للبلاد التي يكون ظهورهم بها، مثل مكة والمدينة والعراق والكوفة وخراسان ونحوها، إلى تعيين الأشخاص بأنسابهم وألقابهم؛ كالسفياني، والقحطاني، والنفس الزكية، والسفاح، والمنصور، وشعيب بن صالح التميمي.
وفي نهاية هذا النقد العلمي الجامع بين النظر في أسانيد وروايات تلك الأحاديث وفي متونها، يعود شيخنا إلى التأكيد على ما ذكره في التمهيد من أن العناية بمثل هذه القضايا غير مفيد، وأنه يرى للمسلمين الإعراض عن الاشتغال بمثل هذه البحوث تعضيداً أو تزييفاً. فهي مسائل لا تفيدهم عملاً في دينهم، ولا في دنياهم (1).
كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:
أما تآليف الإمام الأكبر في السنة: فـ كشف المغطّى، والنظر الفسيح. وهذان الكتابان نمط فريد من التصنيف يَكملُ به جميع ما قاله المحدّثون والشراح من رجال العلم النبوي في موطأ الإمام مالك الذي يعتبر كما قال الإمام الشافعي: أصحّ كتاب يظهر على الأرض بعد كتاب الله، وفي الجامع الصحيح للإمام البخاري الذي كان صاحبه يذبّ عن السّنة الكذب، فلم يخرّج في كتابه إلا صحيحاً، وما ترك من الصحيح أكثر، احترازاً من التطويل.
الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا
.
نبتت فكرة تصنيفه في ذهن شيخنا رحمه الله من أيام تولّيه
(1) تحقيقات وأنظار: 49 - 60.
تدريس مادة كتاب الإمام مالك. وكان يأسره ويشدّه إليه جانبان هامان منه: جانب السنّة والآثار، وجانب الفقه والفتوى. وهو قد استعد لهذا الغرض بطول مزاولته للموطأ وكثرة مثافنته له. وهو ككبار أئمة العلم ممّن حدثنا عنهم أو سعدنا بلقائهم في حلقات الدروس، لا يقدم على محاضرته أو إملائه لموضع درسه من الكتاب إلا بعد الرجوع إلى أهم المصادر، واستيفاء مقالات العلماء البارزين فيه، وتعليقات الشيوخ المتمكّنين عليه. وهكذا يمكننا أن نعدّ من مصادر كشف المغطى الأساسية دروسَ الإمام في الموطأ وما رجع إليه فيها من شروح وتصانيف كانت متداولة بين الأساتذة والطلاب، مثل المنتقى للباجي، وشرح الزرقاني وتعليقات السيوطي على الموطأ، أو كانت عزيزة نادرة اجتمع له منها: القبس لابن العربي، وقسم من ترتيب المسالك له، وقطعة من التمهيد لابن عبد البر، وقطعة من الأنوار في الجمع بين المنتقى والاستذكار لابن زرَق، وتعليق لأبي محمد بن السيد البطليوسي في غريب الموطأ، ونسخة من مشارق الأنوار لعياض، وصلت إليه متأخّرة بعد أن كاد يفرغ من وضعه لكتابه.
وقد كان في أول الأمر يتطلّع إلى وضع شرح وافٍ على الموطأ يشتمل على ما انقدح له من رأي في جلسات الدرس وقبلها، فَيُلمّ بما كتبه الشراح، مضيفاً إليه ما حصل له من أفهام، أو حرّره من حقائق، أو استدركه من أنقاص، أو حلّه من مشاكل. لكن عوائق كثيرة حالت دونه ودون رغبته السامية تلك، فاقتصر على تصنيف الكشف، هذا المختصر، إنجازاً لبعض ما عزم عليه وتقييداً لملاحظاته وتعليقاته على الموطأ بما لم يسبق إليه.
وفي بداية هذا التأليف ومقدمته عرّف بموطأ الإمام مالك بن
أنس وذكر أن طريقة الإمام مالك كانت جامعة بين التمحيص والتصحيح والتقرير والتحرير. وهكذا أثبت في موطئه ما صحّ عنده من الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الخلفاء الراشدين، وفقهاء الصحابة، - ومَن بعدهم - من فقهاء المدينة، وما جرى عليه العمل عندهم. فجمع بين النصوص التشريعية من السنة الصحيحة، وبيّن استنباط الأحكام والتطبيقات وفتاوى الأئمة في ذلك العصر. ولتيسير الإفادة من هذا الكتاب جعله على أبواب الفقه كي يتسنّى لطلاب الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات، ولِشُدَاة العلم والأدب أن يظفروا بسرعة. كلٌّ بما هو في حاجة إليه من ذلك الموطأ، وأن ينهلوا من ينابيعه العذبة ما فيه من شفاء للصدر وتزكية للنفس.
وتبويب الموطأ كان مثالاً جرى عليه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، كما سار مسلم على مثل ما سار عليه في تقسيمه جامعه الصحيح إلى كتب. وتعرّضت هذه المقدّمة إلى شروط الصحة عند أهل الأثر، وإلى طرق نقد الأخبار من جهتي الأسانيد والمتون. فنبّه إلى ما التزم به الإمام مالك من ذلك في كتابه، مع مقارنته بشروط الصحة عند الإمامين البخاري ومسلم.
وتميّز الموطأ ببعض العبارات والكلم والمصطلحات التي أطلقها صاحبه على بعض التصرّفات فيه كقوله: باب جامع، والأمر المجتمع عليه، والأمر الذي أدركت عليه أهل العلم، أو سمعته من أهل العلم، وقوله: فيما نرى، أو فيما أرى والله أعلم، وعلى مذهب من لقيته، وحتى وقع الحق، وهو شيء استحسنته من قول العلماء، ومالك عن رَجل، ومالك عن الثقة عنده، وما جاء في جواز كذا، وما جاء في تحريم كذا، ونحو ذلك.
وتحدث الشيخ ابن عاشور في مقدمة كشف المغطّى عن أسانيد مالك العالية وطرقها. فهو يروي عن عدد كبير من الصحابة، منهم ابن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وجابر بن عبد الله وأبو شريح الكعبي وأبو سعيد الخدري وعمر بن أبي سلمة.
وأخذ الموطأ من أصحاب الإمام عنه ألف وثلاثمائة راوٍ، رتبهم عياض في كتاب المدارك على حروف المعجم.
ومن الموطآت الشهيرة المعروفة: موطأ يحيى بن يحيى الليثي وهو أشهرها وأوعبها، وموطأ مطرف، وموطأ يحيى بن بكير، وموطآت أخرى كثيرة تنسب إلى أبي مصعب، ومحمد بن عبد الله، وابن القاسم، وابن وهب، والقعنبي، ومحمد بن الحسن، ومعن بن عيسى بن دينار، وعبد الله بن يوسف، وعبد الله الزبيري، وسويد بن سعيد، وعلي بن زياد، والزهري، وأحمد بن إسماعيل السهمي، وابن أبي ذئب. وختم الإمام الأكبر هذه الدراسة ببحث لغوي يفسّر به وجه تسميته بالصحيح.
وعني بهذا الكتاب، الأول من كتب الصحاح، عدد من الأئمة والفقهاء والمحدثين، فوضعوا عليه شروحاً كثيرة وتفاسير جيدة.
وأحصى العلماء عدد ما ورد فيه من أحاديث بلغ بها الأبهري 1720 حديثاً: 600 منها من المسند المتصل، 222 مراسيل، 613 موقوفة. وأحاديث أخرى ما بين منقطع، وبلاع، وأقوال الصحابة، وفقهاء التابعين، وما استنبطه الإمام في الفقه استناداً إلى العمل أو إلى القياس أو إلى قواعد الشريعة.
ولكثرة هذه الأحاديث وتنوّعها لم يكتب عن كل واحد منها في كشف المغطّى. ولكنه كما قال: اقتنع فيه بإثبات أهمّ ما يلوح له من