الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - غرائب الاستعمال
وهذه دون شك في اللغة، أو في اشتقاقاتها وأساليبها. لم نقف عليها. ذكرها حفيده د. محمد العزيز ابن عاشور في ترجمته (1).
* * *
3 - اللفظ المشترك
اللفظ المشترك مقالة نشرتها له مجلة الهداية الإسلامية بالقاهرة في مجلدها السادس. وهذه المقالة تنظر في موضوعها إلى ما جاء في المقدمة التاسعة من التحرير والتنوير من استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه دفعة، واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معاً، وإرادة المعاني المكنَّى به عنها مع المعاني المصرّح بها، وإرادة المعاني المستتبعات من التراكيب المستتبعة. وقد بحث هذا الموضوع اللغوي الهام عدد من علماء العربية ومن علماء أصول الفقه. وهو مفصّل في كتبه. وقد انتهى الإمام إلى القول، بعد ذكر الآراء المختلفة في الموضوع، بأنّ المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ بدون خروج عن مهيع الكلام العربي البليغ تكون مرادة من الآية. وهي معانٍ واردة في تفسيرها (2).
* * *
4 - أخطاء الكتاب في العربية
مقالة أخطاء الكتاب في العربية، هي ردٌّ على مقال نشرته
(1) دائرة المعارف التونسية. الكراس 1/ 1990 - 46.
(2)
محمد الطاهر ابن عاشور. التحرير والتنوير: 1/ 1، 98 - 100.
البصائر في عددها 84 ص 6 بعنوان إصلاح اللسان، لأبي يعلى الزواوي أحد علماء الجزائر.
تحدث الشيخ عن العلماء المتقدّمين وسبقهم إلى العناية بهذا الموضوع المهم، كما يظهر ذلك من التصانيف والدراسات المؤلفة في التنبيه على لحن الخواص. وهي كثيرة من بينها أدب الكاتب لابن قتيبة، والموشح للمرزباني، ودرة الغواص للحريري، وما جاء من ذلك في كتاب مغني اللبيب لابن هشام. وقد كانت مجالس العلم والرواية والأدب حافلة بذلك مثل مجالس الصاحب ابن عباد، ومجلس الأستاذ ابن العميد. وربما سرى هذا الأمر لتعلّق الناس به وحبّهم له وتطلّعهم إليه من تلك المجالس إلى المجامع العامة.
ولم يقتصر هذا الاهتمام باللغة العربية تصحيحاً لها وذبّاً عنها، على أمثال أولئك الأعلام السابقين، بل استمر الأمر قائماً ومتجدّداً على مرّ العصور. ففي عصرنا الحاضر صنف الأديب الشيخ إبراهيم اليازجي كتابه لغة الجرائد، ونبّه العلامة الشيخ محمد محمود الشنقيطي على انحطاط لغة كتاب عصره. لكن هذا العمل وإن كان رائعاً ومميزاً يتسم به حفظة اللغة الدارسون لها والقائمون عليها، قد لابسته، لسوء الحظ، سمات التعجّل في الأحكام، كالذي روي عن ابن شبرمة وذي الرمة من إنكار الأول على الثاني قوله:
إذا غَيَّر النَّأْيُ المحبين لم يَعُدْ.
أو تخطئة الحريري في بعض ما أنكره على الخاصة، واليازجي فيما وقع له في كتابه من المجازفة من المتقدمين والمتأخرين.
أورد الإمام هذا فذلكة لما اشتهر من التأليف في هذا الفن، ممهداً به للتعليق على ما كتبه أبو يعلى الزواوي من ذلك في إنكار
بعض الاستعمالات اللغوية والتصرّفات القولية. فحصرها في مقاله المومَى إليه أعلاه في ثمانية ألفاظ، كان محقاً في ما قاله في أربعة منها، ومجانباً للحق في البقية، إمّا لتوهّمه وإمّا لتسرّعه فيما أورده فيها من ملاحظات وأحكام.
وهذه الألفاظ الأربعة المتبقّية التي هي محلُّ النزاع والاستدراك فهي:
ومما أخذ على الزواوي إنكاره:
إطلاق اسم السجادة على الزَّرْبِيَّة. قال الشيخ ابن عاشور: "وكلامه في الحكم على استعمالهم لفظ السجادة كله خطأ. فإن لفظة السجادة عربية فصيحة. وردت في كتب اللغة المعتبرة مثل اللسان لابن منظور، والأساس للزمخشري. وهي بمعنى الخمرة المسجود عليها. وقد وردت الكلمة عن بعض العرب بحرف السين منها مضمومة. وبعد الإشارة إلى ما روته المعاجم في ذلك يقول: إن ورود الزربية في القرآن لا يقتضي إلا أن يكون لفظ الزربية أفصح. وهذا لا ينافي فصاحة لفظ السجادة، كما أن ورود لفظ السكين في القرآن في قوله تعالى: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} (1) لا يمنع أن يكون لفظ المدية عربياً فصيحاً. وأعجب ما في كلام أبي يعلى حكمه على لفظ سجادة بأنه أعجمي، ذاهلاً عن اشتقاقها من السجود، وأن مجيئها بوزن اسم الفاعل مجاز عقلي، أي المسجود عليه كقولهم: عيشة راضية".
وأنكر استعمال الكُتَّاب لفظ (أشعل) مكان (أوقد)، قائلاً: وقد ورد في القرآن مشتق (أشعل) في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ
(1) يوسف: 31.
شَيْبًا} (1). وليس ذلك بمعنى: أوقد، ولم يرد في الشعر (اشتعل) بل ورد (أوقد). وهذا تضييق واسع من أبي يعلى، فإن فعل أشعل وما تصرّف من مادته كلّه عربي فصيح، وقوله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} استعارة بديعة في تشبيه انتشار البياض في سواد الشعر بالتهاب النار في الفحم. ولولا ذلك لما كان هذا اللفظ في الآية واقعاً موقعه البديع من البلاغة، كما بيّنه علماء البيان. جاء في اللسان عند ذكر قوله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} أن أصله من اشتعال النار. وأما إنكاره ورودَ الاشتعال بمعنى الوقود في شعر العرب فقصور واضح. قال لبيد في معلقته:
فتنازعا سبطاً يطير ظلاله
…
كدخان مشعلة يشبّ ضرامها
فالمشعلة هي النار وهي اسم مفعول من أشعل النار بمعنى أوقدها. وقد أشار إلى استعمال الاشتعال في الحقيقة والمجاز ابن دريد في مقصورته حين قال:
واشتعل المُبْيَضُّ في مسودّه
…
مثل اشتعال النار في جزل الغضى
وأنكر أبو يعلى استعمال لفظ الصدفة بمعنى الاتفاق، واستعمال نوايا جمعاً لنية، والبؤساء جمعاً لبائس، وجملة (لحد الآن) وهي من الصحيح المتّجه.
وكذلك تخطئته بعض الكتاب في نفي ماضي زال بلا النافية. قال أبو يعلى: الصواب أن ينفى بما النافية. فإن فتئ وانفك وبرح وزال تقرن بما نفياً، وبلا دعاءً، وبالهمزة استفهاماً، واستدل بقول ابن مالك:
فَتِئَ وانفك وهذه الأربعة
…
لشبه نفي أو لنفي متبعة
(1) مريم: 4.
قال ابن عاشور: إن كلامه في هذا اللفظ مختلط وغير محرر. فأما حكمه بالخطأ في نفي ماضي زال بلا النافية فهو حكم صحيح، ولكنه لم يحرّر تعليله، إذ علّله بأن زال وأخواتها تقرن بلا نفياً، وإنما ذلك يصح تعليلاً لعمل زال وأخواتها عملَ كان، وليس بيت الألفية مسوقاً إلا لبيان شرط إعمال زال وأخواتها عملَ كان. وكان الحق أن يعلل ذلك بوجوب اتباع استعمال العرب. فإن العرب لا تستعمل الماضي كله منفياً بلا، إذا لم يتكرر النفي بلا. والمراد من النفي الدعاءُ بالنفي لا الإخبار. وهذا استعمال غير جارٍ على القياس. فإذا تكرر النفي لفظاً صح استعماله في غير الدعاء كقوله تعالى:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (1). وكذلك إذا تكرر النفي في المعنى كقوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} (2). فإن الاقتحام الذي دل عليه الماضي المنفي بلا يشتمل على عدّة أمور فسرها قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} . فآل معنى قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} إلى معنى فلا فك رقبة، ولا أطعم، ولا آمن. وفيما عدا ذلك لا يستعمل الماضي منفياً بلا إلا إذا كان المراد الدعاء دون الخبر. ولذلك كان تخصيص أبي يعلى حكمه بالأفعال الأربعة زال وأخواتها إجحافاً بحكم الاستعمال، وبخاصة إذا كان خطأ الكتاب في هذا الباب وارداً في جميع الأفعال الماضية.
وكذلك انتقاده قولهم: ألْفَتَ مراداً به لَفَت صحيح وجيه.
والمؤلف بوقوفه عند الاستعمالات السابقة مصوباً ومحرراً، محققاً ومستدركاً يدل على امتلاكه لغة الضاد واستحضاره واستظهاره ما تخضع له من قواعد، وتجري عليه من أساليب، مع قدرة فائقة
(1) القيامة: 31.
(2)
البلد: 11.
على اعتماده الشواهد المناسبة من القرآن الكريم، وإيراده ما يؤكد وجوه تصويبه بما يراه حقاً وصحيحاً من كلام العرب وأشعارها (1).
والمقالة الأخيرة هي من نوع التي سبقتها، لكنها من الخاص دون العام. لا ينصرف الاهتمام فيها إلى استعمالات الناس في مخاطباتهم وأحاديثهم ورسائلهم وأشعارهم. وإنما هي من أثر النظر في كتاب واحد، أو عمل تقدم به باحث أو محقق، فاحتاج إلى المراجعة والتتبع والتصحيح والتوثيق.
عرف الإمام من وقت شبابه بالتهام التراث وكتبه، والمطالعة لكل ما يحرص على الوقوف عليه من تصانيف، وما يقع تحت يده من تآليف علمية أو أدبية. يدل على هذا عدد كبير من المخطوطات والمطبوعات في مختلف الفنون بخزانته وبغيرها. تجد له عليها بهوامشها توقيفاته وتصويباته وملاحظاته ورواياته.
وقد كان هذا في أحيان كثيرة يرفعُ من قدر الكتاب مطبوعاً كان أو مخطوطاً، لما تجد عليه من إضافات علمية يعلو بها شأن الكتاب، وترتفع بها منزلة النسخة وقيمتها. وهذا أمر ورثه ودرج فيه على طريقة العلماء المتقدمين. فإذا كثرت تعاليقه ومراجعاته، وتكررت أو أصبح لها - لأهميتها - شأن، أفرد ذلك برسالة علمية خاصة، أو وضع من أجله قوائم إبرازاً لأهمية الكتاب، وصوناً لما فيه من فوائد ومعارف، وبلوغاً به إلى درجة الصحة الأصلية التي من الأمانة المحافظة عليها، تحقيقاً للنفع بالكتاب، وتمكيناً للناس من إدراك معانيه على الوجه الصحيح المضبوط، ومن الغوص فيه على الحقائق التي قد يلحقها ما يلحقها بسبب الخطأ والتحريف.
(1) المجلة الزيتونية. شوال 1356 هـ/ ديسمبر. 1937 م، 3/ 2، 134 - 136.