الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - السيد محمد رشيد رضا
هو السيد محمد رشيد رضا 1282/ 1865 - 1354/ 1935 فهو شامي النسبة من قرية القَلْمون من أعمال طرابلس الشام. زاول المرحلة الأولى من تعلّمه بالكتاب، ودخل بعد ذلك إلى المدرسة الرشدية التي كانت تدرّس بالتركيّة، ثم انتقل إلى المدرسة الوطنية الإسلامية حيث درس العلوم الشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية. وتخرّج بها على الشيخين حسين الجسر ومحمود نشابة.
وفي هذه المرحلة وقف على أعداد من مجلة العروة الوثقى التي كان لها كبير التأثير في توجُّهه الإصلاحي. واتصل بعد ذلك بأستاذه وصاحبه الشيخ محمد عبده. لقيه بمصر ولازمه طويلاً، وانتسب إلى مدرسته الإصلاحية، وبعد غياب العروة الوثقى التي لم يصدر منها أكثر من ثمانية عشر عدداً، واختفاء مجلة الأستاذ التي كان يصدرها عبد الله نديم المصري، بادر محمد رشيد رضا إلى إنشاء المنار 1316/ 1898، لإحياء تعاليم العروة الوثقى، والتعريف بقواعد الوحدة الإسلامية، مع البحث في البدع، وتفصيل القول في التعاليم الفاسدة والعقائد الزائفة، والدعوة إلى التربية المفيدة، وبثّ المضمون السياسي للجامعة الإسلامية عن طريق الإصلاحين الديني والتربوي. وقد أكّد على صفحات المنار أن هذا الإصلاح لا يحصل بعمارة المساجد والتكايا، ولا بالإنعام على بعض الشيوخ أو أهل الحجاز بالرتب والرواتب والوسامات، بل لا بد في ذلك من أعمال تناط
بالحكام، وأعمال تطلب من العلماء وأصحابِ الوظائف الدينية
…
وأهم أركان الإصلاح الإسلامي جمع كلمة المسلمين على عقيدة واحدة، وأصول أدبية واحدة، وقانون شرعي واحد (1).
ولقد كان لمجلة المنار دور أي دور إصلاحي في العالم الإسلامي والبلاد العربية. كانت المَعلَمَة الإسلامية الكبرى التي لا يستغني مسلم في هذا العصر عن اقتنائها (2). وكانت لصاحبها مجدِّد السلفية آثار جيدة تخدم منهجه وتنشر آراءه. نعدُّ منها تفسير المنار، وتاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده، ونداء إلى الجنس اللطيف وهو بيان حقوق النساء في الإسلام، والوحي المحمدي والوحدة الإسلامية، ومقالات كثيرة أخرى. ولا نجد من يقدم هذا الإمام من معاصريه وينوّه به مثل شكيب أرسلان فهو يقول عنه: لا يسدّ مسدّه أحد في الإحاطة والرجاحة وشحذ الفكر وسعة الرواية معاً، والجمع بين المعقول والمنقول، والفتيا الصحيحة الطالعة كفلق الصبح في النوازل العصرية
…
كما أنه لا يدانيه مُدانٍ، مع الرسوخ العظيم في الفقه، والطبع الريان في العربية، والقلم السيّال بالفوائد في مثل نسق الفرائد، والخبرة بطبائع العمران وأحوال المجتمع الإنساني ومناهج المدنية وأساليبها، وأنواع الثقافات وضروبها
…
ولقد عدّ من كبار الأئمة.
أسّس بمصر مدرسة الدعوة والإرشاد، وتولّى بسورية رئاسة المؤتمر الإسلامي. وله من المواقف الشريفة في النضال الديني عن الإسلام والدفاع عن عقيدته الصافية، ومن الكتب الجدلية في الرد
(1) محمد رشيد رضا. الإصلاح الديني المقترح على مقام الخلافة الإسلامية.
المنار: مجلد 1، ج 39، 1316/ 1898، ص 765.
(2)
شكيب أرسلان. حاضر العالم الإسلامي: (1) 1/ 284.
على أعدائه ما لا يقدر أحد في عصرنا هذا أن يدرك فيه شأوه أو يبلغ فيه مُدّه ولا نصيفه (1).
نازع الأهرام والمقطم ادعاءهما أن الدعوة إلى الجامعة الإسلامية باسم الدين مضرّة وغير موصلة إلى غاية، وأنه لا سبيل إلى ترقّي الأمة الإسلامية إلا باتباع أوروبة كما فعلت اليابان، فكتب عن الإسلام والجنسية. ودعا إلى تأسيس منظمة تناط بها ثلاثة أعمال رئيسية: أولها تلافي البدع ومقاومتها، ثانيها إصلاح الخطابة، ثالثها الدعوة إلى الدين.
ومن أهم النتائج التي كان يحرص على تحقيقها توحيد البلاد الإسلامية وجمع كلمتها. وسبيل ذلك في رأيه تعليم التربية العملية، والتعليم الديني والدنيوي الصحيح، بفضل رجال عارفين بحاجة الأمة، قادرين على التعليم. فإن هذا العمل هو الذي تقوم عليه النهضة، ويتوقّف عليه الاتحاد الإسلامي (2).
وهذا الإصلاح الذي نادى به، وكاد يحصل الاتفاق عليه من طرف الدعاة مشروط لديه بجملة شروط؛ بعضها يتعلق بطبيعة الحكم في البلاد الإسلامية، وبعضها الآخر يرتبط باستعداد الأمة وقابليتها للإصلاح، والشرط الثالث يبرز في منهج وطريق المصلحين والدعاة. ولقد فصّل القول في هذه الأغراض مبيِّناً ومعلِّلاً، ناقداً وموجهاً، مثلما يظهر ذلك في الإصلاح والإسعاد على قدر الاستعداد (3)، وفي منافع الأوروبيين ومضارهم في الشرق (4)، وفي مقاله: {وَمَا كَانَ
(1) شكيب أرسلان. حاضر العالم الإسلامي: 1/ 284.
(2)
الجامعة الإسلامية وآراء الكتاب فيها. المنار: 2/ 22، 345.
(3)
المنار: 4/ 17، 1319/ 1901، ص 682.
(4)
المنار: 1/ 50، 1325/ 1907، ص 342.
رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (1)، ومحاورة في دعوى ضرر الدين والجامعة الإسلامية (2).
وطبعي أن يكون من نتائج هذه المواقف معارضته للقضية التغريبية وحملتها، ودعوته إلى التكافل العام بين المسلمين الذي لا يتم عنده إلا بمعرفة مجموع الأمة بحقوقها ومصالحها المشتركة معرفة صحيحة تحملهم على الاتفاق على حفظها وصيانتها، بحيث إذا عبث بها عابث أو نال منها ظالم ينفعل ذلك المجموع، ويهبُّ للذود عنها وحفظ كيانها (3).
عرف ذلك منه القاصي والداني، واشتهر منهجه الدعوي الإصلاحي في أطراف البلاد المشرقية والمغربية، وقامت على أساسه مدرسة قوامها التعريف بالإسلام وعلومه، والذود عن قيمه وأصوله، وتنقيته من كل الشوائب، والتخطيط للنهضة الإسلامية بإقامة جامعتها وبناء اتحادها الإسلامي على الأصول الشرعية والمبادىء الإسلامية والمقومات الذاتية المميزة للملة. فكان ذلك، بين الأمس واليوم، منطلق أمجادها وسرّ تجددها وخلودها.
* * *
(1) المنار: 1/ 31، ص 586، 593.
(2)
المنار: 1/ 16، ص 284 وغيرها.
(3)
المنار: مجلد 2، ج 6، 1216/ 1899، ص 82 - 86.