الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم البلاغة
عُرف هذا العلم قديماً بعلم البديع مرّة، وبعِلم البيان أخرى. ثم قسّمه المتأخرون إلى فنون ثلاثة: المعاني والبيان والبديع.
فالمعاني منه: ما يُبحث فيه عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
والبيان: ما يعرف به إيراد المعاني بطرق مختلفة في وضوح الدلالة من حقيقة ومجاز.
والبديع: هو تحسين الألفاظ أو المعاني بما يجعلها مستظرفة لدى السامع.
والغاية من هذا العلم، بمختلف شعبه، ضبطُ طرق الاستعمال للكلام البليغ، والتمرينُ على أن يكون التعبير مفيداً لجميع مراد المتكلم بأسرع طريق وأنفذه إلى فهم السامع. وتتضمَّن مسائلُه بعضَ قواعد الاستعمال مطلقاً. وهو بذلك تكميل لما تركه علم النحو أو لم يستوعبه من تعليم أحوال لسان العرب. وإذا كان النحو والصرف قد انصرفا من جهة إلى إفادة كيفية أخذ المفردات وتركيبها دفعاً للخطأ وبطءِ الفهم، فإن علم البلاغة اتجه إلى إفادة كيفية الإسناد، وأسلوب العرب في التعبير. وهذا التلازم بل التكامل بين علوم العربية وأسرارها، الملاحظ في المصنفات الشهيرة من الأمهات في هذا العلم، ينبّه عند المقارنة بين النحو والبلاغة إلى أن هذا العلم قد تناول مع مشاركته لعلم النحو موضوعات خاصة به كالفصاحة
والإيجازِ والإطنابِ والفصلِ والوصلِ ومسائلِ البيان.
وتوفّرت المؤلفات النقدية والأدبية على العناية بأمثلة رائعة نجدها عند قدامة بن جعفر في نقد الشعر، وعند الجاحظ في البيان، وعند الزمخشري في تفسيره، وعند المرزوقي في شرحه لديوان الحماسة، وعند غيرهم من جهابذة الفن. وإنما بدأ الاشتغال بعلم البلاغة بصورة دقيقة رائعة ومعمّقة مع عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني في مصنفيه أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز. ومن يبحث في مصنفات هذا الفن يجدها قد عُنِيت في المحل الأول ببيان الطرق والمسالك إلى اختيار المعاني الجيّدة والألفاظ القريبة. ثم تبعتها تآليف أخرى أتمُّها المفتاح للسكاكي الذي شغل الناس بروائعه وإبداعاته، فصُرِف الكثيرُ من العلماء والنقّاد من بعده إلى شرحه أو التعليق عليه أو اختصاره، من غير تفكير في اكتشاف جوانب جديدة تعين على تطور هذا العلم وتقدّمه. وممن عنى بالمفتاح الأئمة: سعد الدين التفتازاني، والسيد الشريف، والأستاذ عبد الحكيم. وأصبحوا بما قدّموه من ذلك قطب الدائرة. وإن لاحظنا لديهم خلطاً في المسائل واشتغالاً بغير الفن عند إطالة الحديث عن تعريف الجنس، والحديث عن (الـ) الاستغراقية، وهل هما بمعنى، أم بينهما تفاوت؟ أو عند بيان مسألة عطف الإنشاء على الخبر، ومسألة الخلاف في حدِّ البلاغة، ثم هل هي مطابقة الكلام لجميع مقتضى الحال أو لمقتضى الحال في الجملة، كما ورد ذلك كثيراً في مباحث المطول (1).
وجاء بعد هذا اختصار المفتاح للقزويني، وكان دقيقاً متميّزاً
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 224.
لولا انصرافه عن الشواهد من كلام العرب إلى التمثيل بالتراكيب الصناعية.
ولا ينسى المؤلف، في ختام هذه الملاحظات وما لازمها من تقويم لمسائل العلم وكُتبه التي اشتغلت بهذا الفن، أن يلفت نظر طالب هذا العلم إلى وجوب التدرّب أو إجراء التمارين اللازمة لتربية الملكة والذوق. وذلك بأن يعهد إلى الطلبة بالحكم على ما يرونه من حسن في الكلام وقبحه، بإشراف الشيوخ والأساتذة الذين يقومون بتصويب أو تخطئَة ما يقدّمونه من الآراء في ذلك. ويُنهي الشيخُ رحمه الله هذا الفصل بالحديث عن علم الوضع، وعن رسالة العضد الإيجي فيه، منبّهاً إلى أهمية هذا التأليف وموضوعاته وما حظيَ به من عناية الشرّاح والمحدّثين.
وعلم الوضع في الحقيقة ألصق بعلمي العربية والبلاغة. وهو لا يتميّز عنهما في كثير. وموضوعه كما حدّده المؤلف البحثُ عن المعاني التي وضعت لها الألفاظ من ذوات وأحداث، ومن أنواع أو أشخاص، ومن كلي أو جزئي.
* * *