الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
هو العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 1306/ 1889 - 1385/ 1965. خلف الشيخ ابن باديس على رأس جمعية العلماء. وكان نشطاً في تكوين المدارس وتحفيظ القرآن وتعليم العربية. وهو خطيب مفوّه، وراجز بارع. فكان عضواً في المجامع اللغوية العربية بالقاهرة ودمشق وبغداد. أصدر البصائر، ونشرت مقالاته عيون البصائر، وله في مجلة الشهاب مقالات كثيرة. وبحكم تعاونه مع صديقه الإمام الشيخ ابن باديس، وضع المنهج الذي سارت عليه الحركة التعليمية الإسلامية الحرة بالجزائر في ظل جمعية العلماء. ولعلنا نستطيع أن نفهم الكثير من ومضاته الفكرية ولمحاته البيانية في هذا الموضوع. ومن ذلك قوله:
"تعتبر التربية والتعليم من أهم القضايا التي تعنى بها الأمم. فبالتربية والتعليم تتقدم الحضارات، وتتطور المجتمعات، وتصنع الأجيال. فالتربية بوجه عام هي ذلك الجهد الذي يقوم به آباء الشعب ومربوه لإنشاء الأجيال على أساس فطرية الحياة التي يؤمنون بها"(1).
ولتأكيد هذا التصور للتربية نجد الإبراهيمي يستشهد في هذا المقام بكلام رجال الكفاح من أجل عزة الإسلام، مثل الشيخ علي الندوي:
(1) ابن باديس. آثار ابن باديس، الجزء الأول، م 2/ 475؛ الشهاب: 11 رجب 1349/ ديسمبر 1930: 714 - 715.
"لقد اتفق علماء التربية في العهد الحاضر على أن التربية في أمة وبلاد ليست بضاعة تصدر إلى الخارج، أو تستورد إلى الداخل، كالمصنوعات والمواد الخام والحاجيات والمخترعات التي لا تختص ببلد دون بلد، وإنما هي لباس يفصّل على قامة هذه الشعوب، وتقاليدها الموروثة، وآدابها المفضلة، التي تعيش لها وتموت في سبيلها"(1).
يُمضي الإبراهيمي مرغباً ومنفراً، فيقول مخاطباً جمهور الشباب الجزائري المسلم:
"وكما أن جهنم تُتّقى بالأعمال الصالحة، وأساسها الإيمان، فإن الاستعمار يتقى بالأعمال الصالحة، وأساسها العلم. وإذا كان العدو الأكبر لجهنم هو العمل الصالح، فإن العدو الأكبر للاستعمار هو التعليم"(2).
وفي نفس الإطار يقدم صورة للجزائر المعتدة بماضيها وحضارتها وعزّتها وإسلامها فيقول:
"قلنا للحكومة مرّات في صدق وإخلاص: إن هذه الأمة رضيت لأبنائها سوء التغذية، ولكنها لا ترضى لهم أبداً سوء التربية، وإنها صبرت على أسباب الفقر، ولكنها لا تصبر أبداً على موجبات الكفر"(3).
ونراه بعد ذلك يقابل بين موقفي جمعية العلماء من الشعب الجزائري وبين موقف الاستعمار الفرنسي في قضية التعليم والتثقيف فيقول:
(1) أبو الحسن الندوي. نحو التربية الإسلامية الحرة، بيروت، ط. (4):137.
(2)
محمد البشير الإبراهيمي. آثار الشيخ الإبراهيمي، عيون البصائر:237.
(3)
محمد البشير الإبراهيمي. آثار الإبراهيمي: 2/ 237.
"هدف هذا الصراع بين جمعية العلماء والاستعمار الفرنسي هو الأمة الجزائرية. فالجمعية تريدها أمة عربية مسلمة، كما هو قَسْمها من القدر، وحظها في التاريخ، وحقّها في الإرث، وحقيقتها في الواقع والمصطلح. تريدها كذلك وتعمل لتحقيقه. والاستعمار يريدها هيكلاً، لا تترابط أجزاؤه، ولا تتماسك أعضاؤه، يوجّه وجهه إلى الغرب، ويمكِّن في أفكاره لأهواء الغرب، وفي لسانه رطانات الغرب، بل يريد الاستعمار أن يقتلع جذور هذه الملة من تربة ويغرسها في تربة، فتأتي مضعونة هزيلة لا من هذه ولا من هذه"(1).
ثم يقول مرة مخاطباً الأجيال الصاعدة: "شباب الأمة هم عمادها، ومادة حياتها، وسر بقائها. وخير شباب الأمة المتعلمون المثقفون، البانون لحياتها وحياة أمتهم على العلم. وصفوة الشباب المتعلم المثقف هم المتشبّعون بالثقافة الإسلامية العربية والمقدِّمون لها، لأنهم هم الحافظون لمقوّماتها، المحافظون على مواريثها، وهم المثبِّتون لوجودها، المصحِّحون لتاريخها، المواصلون لمستقبلها بماضيها"(2).
ويقول مرّة أخرى محدداً مطلب الأمة من العلم: "والأمة تريد تعليماً عربياً يساير العصر وقوتَه ونظامَه، لا تعليماً يحمل جراثيم الفناء، وتحمله نذر الموت"(3).
هذه إشارات ومواقف مختلفة ومتّفقة، مختلفة باعتبار الظروف والملابسات التي صدرت فيها، ومتّفقة في الغاية التي تتطلع إليها جهود المصلحين ومساعي المجاهدين.
* * *
(1) محمد البشير الإبراهيمي. الآثار: 2/ 33.
(2)
آثار الشيخ الإبراهيمي: 3/ 365.
(3)
نفس المرجع: 2/ 363.