الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبلغون بها النصاب المقرَّرَ لها، وهو خمس وأربعون دقيقة. وكم نشأ عن هذا من نتائج سيئة، كالفوضى بسبب تداخل الدروس، والتمديد في أوقات الوفاء بالمقرّرات، وعدم التوصل إلى ختم الكتب في الآجال المناسبة.
ومنها الإهمال للتمارين الضرورية لتدريب الطلاب، وتكميل قدراتهم العملية ومواهبهم. فإن هذه، إن أجريت، كانت في الغالب مقصورة على المرحلة الابتدائية بالوقوف عند الشواهد والقيام بإعرابها (1).
وقد استوفى الشيخ ابن عاشور ذكر عوامل تأخّر التعليم في الجامع في كتابه. وجعلها خمسة عشر سبباً (2).
المدرسون:
أحسب أن هؤلاء المدرّسين أكثرهم من كبار الشيوخ المعارضين للإصلاح والمقاومين لكل تطوّر أو تجديد، أو هم من الأصناف الثلاثة الدنيا التي أشار إليها الشيخ ابن عاشور في حديثه عن مراتب المدرسين بالجامع. وذلك قوله:
"والمدرسون خمسة أنواع:
1 -
عالم نحرير يميّز الصحيح من الفاسد، بنقد وفهم مصيب، مع التضلّع بما في الكتب الأصول والمصادر. وهذا النوع قليل بالجامع الأعظم.
2 -
مدرس نحرير متمرّن بكُتب التدريس، واقف على
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 155، 156.
(2)
المرجع السابق: 114 - 136.
اصطلاحاتها، مقتدر على تدريس المهمّ منها بالفهم والإفهام على ما هي عليه من غير خطأ.
3 -
ناقل لما في الكتب، مكدٌّ لحافظته، ليس من أهل النقد أو التحرير في شيء. وهو أتعب خلق الله عيشاً، وأقلُّهم تدريساً، لاعتياده أن لا يُقرئ إلا ما طالع.
4 -
فريق يفهم ويدرس، لكنه لا يميّز في ذلك الصحيح من الفاسد.
5 -
طائفة كثيرة دأبها صُراح الخَطَا، وزلق الخُطَى، والستر على العيب" (1).
ومعيار الاختلاف بين المدرسين في كفاءاتهم، وتفاوت قدراتهم ومنازلهم، يظهر جلياً في طريقة إلقاء الدرس. وهي عرض المدرس من نقله درسَه مرتباً بصورة دقيقة تشهد له بسعة الحافظة والقدرة على التعبير عما يريد.
وقد بدأ العمل بهذه الطريقة بتونس من عهد الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الهواري، الفقيه المدرس والقاضي 749. وهو يرجع بها إلى الإمام عبد الله محمد بن علي المازري 536، أخذها عن علماء القيروان أمثال الشيخين الجليلين أبي الحسن علي بن محمد الربعي اللخمي 478، وأبي محمد عبد الحميد ابن الصائغ 486، نقلاً عن رحّاليهم إلى المشرق والأندلس. وقد شاع اعتمادها منهجاً تدريسياً أوائل القرن الثالث عشر. أخذ بها ونشرها بين المدرسين العلامة الشيخ إبراهيم الرياحي. وهذه الطريقة تحسُن ممن
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 233.
لا يتكلّفها، ويأتي بها عفواً، أو يعدّ لها أدنى إعداد في أوّل الأمر، حتى تصبح له عادة. ولا يقدر عليها أو يتمكّن منها إلا من رُزق فصاحة اللسان وقوّة الفكر، وتمرّس بالألفاظ العلمية والأساليب العربية. ومن ليس هذا شأنه من المدرسين لجأ أولاً إلى التملّي من أقوال المؤلفين، ونقل عباراتهم لئلا يكون درسه مختلاً، ويضيع وقته في القشر دون اللباب.
وهذا العناء والتكلّف يحمل المدرس في هذه الحالة على تحاشي تلقي الأسئلة من التلاميذ كي لا يتشتّت عليه ما أعدّه من ترتيب لمسائل الدرس. وهو، لعدم ضلاعته وضعفه، يسرع إلى تعطيل الدرس متى ألهاه شاغل أو انحراف مزاج في ليلته، حيث لم يطالع الدرس بما يكون له تمام الإعداد. وهذا واقع مشاهد عند كثير من المدرّسين قديماً وحديثاً.
والدروس بالجامع لم تكن أسعد حالاً ولا أكثر حظاً في العناية بها والإقبال عليها. وموادها في القانون الصادقي: 12 فناً في المرتبة الابتدائية، 21 في المتوسطة، 15 في العليا (1).
يذكر الشيخ ابن عاشور أن سبعة فنون منها كانت قد احتجبت مدّةً لم تدرس فيها وهي: التصوّف، والتاريخ، والرسم التوقيفي، والعروض، والهندسة، والهيئة، والمساحة.
وكان يقلّ تدريس اللغة والأدب، وآداب البحث والميقات والحساب إلا أن يكون حسابَ الفرائض.
ولم تكن الكتب المذكورة لكل فن تُدَرَّسُ كلُّها. ويلاحظ هذا
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 156.