الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقام الوكيل على أبنائها وعيال بيتها على وجه الرخصة. فهي راعية المنزل وربة البيت.
وهنا شرع المؤلف في الحديث عن مسألة أصولية مقصدية اختلفت فيها أنظار الأئمة. فقال: إن هذا التصرّف من الرسول صلى الله عليه وسلم فتوى وتشريع يعم هنداً وغيرها من أزواج الأشحة. وهذا هو قول مالك. وذهب الشافعي إلى أنه من قبيل القضاء. وردّ الشيخ هذا الوجه بكون مأخذه ضعيفاً. وأكّد ما ذهب إليه إمامه بأن هنداً جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مستفتية لا مدّعية، وأن إحضار زوجها كان ممكناً، فلا يكون الأمر من باب القضاء على الغائب.
وأنّه وإن اعتبر قضاءً فإن قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم من جهةٍ قضاءٌ بالنسبة إلى الخصمين، وهو تشريع لغيرهما ممن يساويهما في الوصف المؤثّر، سواء جاء في خصومة أم مستفتياً.
وختم الإمام تعليقه على حديث النفقة هذا ببيان طريق التوصل إلى الحق قائلاً: وليس لصاحب حق عند آخر مَنعَهُ منه، أَن يعمد إلى أخذ حقِّه بنفسه بغصب أو خلسة، اعتباراً للمقصد الشرعي من إقامة القضاة والحكام، ولأن مثل هذا التصرّف يؤول إلى التقاتل والتهارج. فلا تتجاوز الرخصة محل العذر، وهو عسر الرفع إلى القاضي، أو توقع ضرر من الخصومة هو أعظم من ضرر ترك الإنفاق (1).
* * *
التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه
-
قوله صلى الله عليه وسلم: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم"(2).
(1) النظر الفسيح: 282 - 283.
(2)
80 كتاب الدعوات، 66 باب فضل ذكر الله عز وجل. خَ: 7/ 168 - 169.
توقف المؤلّف عند هذه الجملة وحدها لبيان معنى الجليس وحقوقه.
الجلساء، التعريف في هذا اللفظ للتعظيم. وهو على حد قول الشاعر:
هم القوم كل القوم يا أم مالك
وواحد الجلساء: الجليس، وهو المشارك فى المجلس. ولكون المجالس والجلساء تختلف، ميّز الله في هذا الحديث القدسي الجليس الذاكر لله عز وجل بكونه أكرم صنف، وميّز فئة، فقال:"هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم". وفي هذا إيماء قوي يرفع منازل هؤلاء الجلساء، لأنّهم يجتمعون على ذكر الله.
ومعنى "الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" أنه لا يكون دونهم منزلة، وأنهم لا يتميّزون عليه تميّزاً يلحق به أذى. فهم سعداء متلائمون متوادّون.
وقوله: "لا يشقى بهم جليسهم" يحتمل السببية أو الملابسة. فالباء من "بهم" سببية، وهي بمعنى لا يكون الجلساء سبباً في تعب جليسهم وإعناته وإيذائه. وهذا كما في قول الطرماح:
وإني شقي بآلام ولا ترى
…
شقياً بهم إلا كريم الشمائل
أو توسع في استعمال الباء للدلالة على الملابسة، وصار المعنى انتفاع جليسهم بهم على وجه الكناية، إذ في السلامة من الأذى إكرام له. قال الشاعر:
وكنت جليس قعقاع بن شور
…
ولا يشقى بقعقاعٍ جليس
أراد أن جليسه مكرم سعيد.