المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية: - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

أسداها، وارتدينا حلّة فخر هو الذي نسج لُحمتها وحاك سَداها" (1).

وتحقق بحمد الله لحركة الإصلاح ما أمّلَته، وبذل الأساتذة والطلاب وكثير من رجال الفكر وسراة البلاد وكذا المؤسسات والجمعيات أقصى ما في الوسع من قدرات للوفاء بما في الذمة، وبما عاهدوا عليه الله، من تطوير التعليم الزيتوني، تأصيلاً وتعصيراً، حتى أصبحت الجامعة الزيتونية مضرب المثل، والأنموذج الذي على المؤسسات العلمية في الداخل والخارج أن تتبع خطاه وتسير على أثره.

‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

ولاحظنا في مجال التعاون والتناصر كيف مضى الجامع الأعظم وفروعه تساعده الجمعية الخلدونية بتونس على تذليل الصعاب، وتوفير أسباب النجاح لتطبيق الإصلاح في زمن قصير.

وبعد أن كان المعهد القومي الإسلامي العلمي متمثلاً في الزيتونة التي تتكوّن من الجامع الأعظم والجامع اليوسفي بتونس، ومن خمسة فروع لها داخل الإيالة لا يزيد عدد طلابها على ثلاثة آلاف من المرسَّمين في التعليم الزيتوني بمختلف درجاته المتوسطة والثانوية والعالية، ظهر إقبال كبير وحرص شديد على الانتساب لهذا المعهد، والنهل من منابعه بفضل ما أحدثه رئيس الجامعة الزيتونية من فروع، وما أثاره من كوامن العزائم، وصادق المشاعر. وتضاعف عدد الفروع إلى خمسة وعشرين فرعاً بين الحاضرة وأطراف المملكة من بينها فرعان لتعليم البنات، وامتدت هذه الفروع الزيتونية إلى قسنطينة والجزائر، ونما عدد الطلاب فبلغ العشرين ألفاً.

(1) المجلة الزيتونية: مجلد 6، 498.

ص: 302

وتكونت في المرحلة الثانية من التعليم الثانوي بالزيتونة شعبة العلوم العصرية 1951 لتدريس اللغات والرياضيات والطبيعيات والتاريخ والجغرافيا والفلسفة باللغة العربية. فكانت النتائج الباهرة والمسابقة الشريفة العلمية بين مدارس الدولة الرسمية وجامع الزيتونة بشعبتيه الأصلية والعصرية. وخصصت للمواد الجديدة جملة مراكز. والْتَحَقَ بالزيتونة لتدريس المواد العلمية المعاصرة بها مدرسون من أساتذة التعليم الثانوي بالمدارس الرسمية التابعة لإدارة العلوم والمعارف، ودعا الأساتذة من مختلف الجامعات في المشرق للتعاون مع الزيتونة، والإسهام في نهضتها العلمية المباركة، وتكوّنت من خريجي الشعبة العصرية إرساليات لاستكمال تخصّصاتها بجامعات القاهرة وبغداد ودمشق، وكذلك بفرنسة وموسكو.

وبعد أن كانت الخلدونية منذ نشأتها مؤسسة ثقافية شعبية حرّة، بها عدة فصول، يُدرّس فيها لطلبة الزيتونة، من المرحلة الأولى للتعليم الثانوي، ما كانوا يحرصون على استكماله من مبادىء العلوم الطبيعية والرياضية والتاريخ والجغرافيا واللغات الحية. ويحصل المتخرّجون منها على شهادة التحصيل في المعارف العملية. كانت بهذه الجمعية قاعة كبرى للمحاضرات ومكتبة عامرة تزخر بأجود الكتب والدوريات العربية والفرنسية، تمّ انتقاؤها واقتناؤها للرقي بمستوى روادها، وتزويدهم بما يحتاجون إليه من دراسات وبحوث، تتسع بها مداركهم، وتنمو بها ملكاتهم ويكتسبون عن طريقها رأياً وفكراً وأدباً وعلماً، مع ما يتلقاه الكثير منهم من محاضرات بها، تغرس في نفوسهم العزم والإيمان ببلوغ أسنى المراتب وتحقيق أشرف المقاصد، وتدفع بهم قدماً إلى التجديد والإصلاح متأثرين بأعلام النهضة الفكرية ودعوتها.

ص: 303

وفي سنة 1366 - 1947 بعد أن أسندت رئاسة الجمعية الخلدونية للعلامة الراحل الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور نجل الإمام الأكبر ولسان الدعوة الإصلاحية، اندفعت الخلدونية في سير حثيث ممهَّدة ومواكبة لكل مظاهر التطور في جامع الزيتونة الأعظم. وقدّر رئيس الجمعية الخلدونية الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه المؤسسة، فاتخذ من فصولها معهداً للتعليم الثانوي المعاصر تدرّس به كل المواد العلمية باللسان العربي، ويكون التخرّج منه بالحصول على شهادة الباكالوريا العربية (1). ومن خريجي المدرسة الخلدونية الحاصلين على هذه الشهادة تكونت ثلة من الأساتذة المساعدين للتعليم بالشعبة العصرية بالمعاهد الزيتونية، وكانت من خريجيها العناصر الأولى للإرساليات العلمية التي توزعّ أفرادها بين الجامعات الشرقية والغربية، كل حسب تخصصه ومؤهلاته، وما يرغب في التخصّص فيه من فروع العلم على اختلافها.

واتخذ رئيس الجمعية الخلدونية من القاعة الكبرى للجمعية مقرًّا لمعاهد ثلاثة هي: معهد البحوث الإسلامية، ومعهد الحقوق العربي، ومعهد الفلسفة. ولئن احتجب المعهدان الأخيران بسرعة لوجود المراكز العلمية المنافسة لهما؛ فإن معهد البحوث الإسلامية الذي تمّ تأسيسه في ربيع الأول 1365/ يناير 1946 قد عمل جاداً بمحاضراته الثلاث الأسبوعية على مدى خمس سنوات لتحقيق الغاية من تأسيسه التي تضمَّنها نظامه. وهي بعث الروح الثقافية الإسلامية، وقيادة

(1) وجد هذا الأمر، بعد تخرج الطلائع الأولى من الحاصلين على الباكالوريا العربية، تهديداً من وزارة التعليم والمعارف بسحب رخصة الجمعية الخلدونية، لأنه لا يسمح لمؤسسة شعبية حرّة أن تمنح خرّيجيها شهادة تحمل نفس اسم الشهادات التي تمنحها المدارس الحكومية الرسمية.

ص: 304

أهليها إلى الشعور بوحدة العالم الإسلامي وعظمته، والوقوف على حقائقه الوجودية، وتكوين الاستعداد لدراسة حرّة لا تتأثر بالظروف العارضة ولا بالتيارات الخارجية، وإنما تستوحي سيرها من المعارف التاريخية والجغرافية المستندة إلى الأصول الصحيحة المتمشية مع روح الجامعة الإسلامية الكبرى (1).

وهكذا اختلف الوضع، وبرزت النتائج، وانعكست آثار ذلك على الروح الشعبية. وتعاظمت همّة الأسرة الزيتونية من مشيختها وأساتذتها وطلابها تشاطرُها الخلدونية اهتماماتها وانتصاراتِها، وتقاسمها مفاخرها وابتهاجاتِها. وسرعان ما استكمل التعليم الزيتوني ببلادنا عناصره الأساسية من تلقين للدين، وإلمام بمصادره، وتعمق في علومه، وغوص على مقاصده، مضيفاً إلى ذلك ما يتأكد الإلمام به من معارف وعلوم ومواد ضرورية تعين على مواكبة العصر، وتفتح الآفاق أمام الخريجين، وتمكّن طلبة الجامع الأعظم من الإسهام في المسيرة الثقافية العلمية إسهاماً يضمن لجامعتهم أن تكون مستقراً ومركزاً لمقوماتنا الذاتية القومية من جهة، ومجالاً للعناية بالمواد المعروضة لا المفروضة من علوم العصر من أجل بناء المستقبل وإيجاد التوازن ودعم وتوطيد النهضة المباركة في ربوعنا.

وقد توّج هذه الجهود العظيمة والمسيرة القويمة، مؤتمر الثقافة الإسلامية الذي عقدته الخلدونية بتونس في ذي القعدة 1368/ سبتمبر 1949 ودعت إليه من أطراف العالم الإسلامي علماء ومفكرين وكتّاباً ومندوبين عن الجامعات والمنظمات الثقافية الإسلامية (2)؛ فكان

(1) محمد الفاضل ابن عاشور. الحركة الأدبية: (2)222.

(2)

محمد الفاضل ابن عاشور. الحركة الأدبية: (2) 224 - 225.

ص: 305

لنجاحه الأثر الكبير في نفوس المواطنين، وفي نفوس رجال الفكر والعلم الإسلامي، مما دعا أحد كبار شعراء مصر بعد فترة من الزمن أن يشيد في بعض قصائده بهذه المعاني قائلاً:

قم كرّم الزيتونة العظمى وقل

لَيكادُ يشرق في حماك حراء

* * *

كم طاهر أو فاضل ملأوا الدنا

عِلماً تقصَّى خطوَه الفقهاءُ

فإذا بفيضهم الصدور حفيلةٌ

وإذا بنورهم العقول وِضاءُ

يا أخت أزهرنا الشريف سلمتما

قُدْسَين تقصُر عنكما الغماءُ

تحميكما وتشدُّ من أزريكما

يَس والفرقان والإسراءُ

وقد زاد من التفاف الناس حول الزيتونة ما قامت به هذه المؤسسة على مدى ألف وثلاثمائة سنة من الحفاظ على المقومين الأساسيين للملة: الدين الحنيف واللغة العربية، وما كان من انتشار فروعها في الآفاق وتعهدِ الإمام الأكبر بمراقبتها وتغيير أوضاعها ورفعها إلى المستوى اللائق والمطلوب، لتصبح منارات هداية ومنابع علم ومعرفة؛ ثم توزع أبناؤها وخريجوها بين طبقات الشعب كلها معلمين، وفقهاء ومدرسين، وقضاة ومحامين، وتجاراً وفلاحين، وأصحاب صناعات، حتى إنك لا تكاد تجد بيتاً من البيوت في تونس أو غيرها من العواصم والمدن والقرى إلا وله نسبة أو أدنى نسبة بذلك الجامع الأعظم تربطه به وتشدّه إليه.

وتوغل التونسيون في النزعة القومية في أعقاب الحرب العالمية الثانية بفضل قيام الجامعة العربية. ونما الشعور لديهم بوجوب العمل من أجل إقامة الجامعة الإسلامية. وبدأت مظاهر ذلك ودلائله، فانفصلت الحركة السياسية التونسية عن التبعية للحزب الاشتراكي الفرنسي، وقامت الحركة الوطنية في أوجها مستقلة، يسندها ويدعو

ص: 306

لدعمها رجال الزيتونة وطلابها. وشارك الشيوخ في مؤتمر ليلة القدر، وأفلتت قيادة الحركة النقابية من أيدي الاشتراكيين والشيوعيين، وقامت جامعة الموظفين التونسيين متميزة بمكتبها ونظامها ورجالها وأهدافها. وأقام العمال حركتهم بتكوين الاتحاد العام التونسي للشغل في رحاب الزيتونة وبقاعة المحاضرات للجمعية الخلدونية. وتوجّس المستعمرون وأعداء الفكر الإسلامي خيفة من هذه التطورات، وجمعوا لذلك مكرهم وكيدهم للإيقاع بهذا التوجه القومي العارم، وهذه الروح الإسلامية القوية العتيدة.

وحين تميّزت الزيتونة في هذه المرحلة بالتعليم العالي الديني الإسلامي، مثل سائر كليات الجامعة المتعددة والمختلفة التخصّصات، تكوّنت لذلك الجامعة الزيتونية وأسندت إلى سماحة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور عمادة هذه الجامعة، واستمر على إدارتها أربع سنوات من 1956 إلى 1960. وبعد أن كان التعليم العالي بالزيتونة بالجامع الأعظم منقسماً إلى ثلاثة أقسام: شرعي، وأدبي، وقراءات، يتخرج منه الطالب بشهادة العالمية في الشعبة التي انتسب إليها طَوال سنيّ الدراسة الثلاثة، انتقل التدريس بالجامعة الزيتونية إلى مبنى كبير ذي فصول عديدة خارج المسجد، وتعددت كلياتها. فكلية الشريعة يقضي بها الطلاب سنتين، وفي الثالثة تنقسم إلى شعبتين: شعبة أصول الدين، وشعبة القضاء؛ وكلية اللغة العربية يقضي بها الطلاب سنتين، وفي الثالثة تنقسم هي الأخرى إلى شعبتين: شعبة الآداب، وشعبة اللغة، وكلية القراءات للتخصص في علوم القرآن والدراسات القرآنية تمتد الدراسة بها ثلاثَ سنوات أيضاً.

وقد اختير للجامعة بكلّ كلّياتها وشعبها نخبة من الأساتذة

ص: 307