المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - كاد: فعل مقاربة - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌3 - كاد: فعل مقاربة

‌3 - كاد: فعل مقاربة

قال تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (1).

إمعاناً في تقرير القواعد النحوية والإعرابية والبيانية، وتوصلاً عن طريقها إلى كشف المراد من الآية، بدأ صاحب التحرير والتنوير بالكلام على جملة "فذبحوها" وإن سكت عن ذلك أكثر المفسرين. فنبّه إلى أنّها مبدوءة بحرف الفاء العاطفة، وأن المعطوف عليه هنا مقدّر لدلالة المقام عليه، وهو: فوجدوها أو فظفروا بها. وقد أثار التنبيهُ إلى ذلك قضيتين: الأولى معنى الفاء، والثانية ذكر نوع الإيجاز الذي اتسمت به الجملة.

أما الفاء فهي فاء الفصيحة عند الشيخ، كما يقول النحاة، لإقامة المعطوف بها في الموقع محلَّ المعطوف عليه، ولأن فاء الفصيحة هي التي أفصحت عن مقدر مطلقاً.

وأما الاختصار في الجملة الحاصل بإهمال ذكر المعطوف عليه فلغناء المعطوف عنه. فهو من قبيل إيجاز الحذف الاقتصاري.

ومن هذه الجملة ينتقل إلى الثانية التي تليها، وهي {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} . فيقف عندها طويلًا للإشارة إلى جملة قضايا تتعلّق بها. ويتحدث عن استعمالات وتصاريف تعددت، واختلفت بحسب تعدّدها. فأفادت الآية جملة من الأغراض، مثل تعريضِها باليهود في سوء تلقّيهم الشريعة، تارةً بالإعراض والتفريط، وأخرى بكثرة التوقّف والإفراط، وتضمُّنِها تعليم المسلمين أصول التفقّه في الشريعة بالأخذ بالأوصاف المؤثرة في مقام التشريع دون الأوصاف الطردية، ونهي

(1) البقرة: 71.

ص: 477

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال كما دلت على ذلك الشواهد من كلام ابن عباس ورواية أبي هريرة وغيره مما أسرف فيه المخاطَبون بذبح البقرة وجادلوا به نبيهم.

والذي يعنينا في المقام الأول هو التأمل في قوله جل وعلا: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وإعرابُه، وتفصيلُ القول فيه من جوانب كثيرة.

ولقد استقر رأي الإمام أولاً على إعراب هذه الجملة حالاً أو كلاماً مستأنفاً. والاحتمال الأول - كما قال - أظهر. فهو أشد ربطاً للجملة. ويكون المعنى: ذبحوها في حال تَقْرُب من حال مَن لا يفعل، أي ذبحوها مكرَهين أو كالمكرهين لما أظهروه من المماطلة والتردّد. فيكون وقتُ الذبح ووقتُ الاتصاف بمقاربة انتفائه وقتاً متحداً اتحاداً عرفياً، يعني أن مماطلتهم وتمنُّعهم قارن أولَ أزمنة الذبح.

وأما حمل الجملة على الاستئناف فباعتبار اختلاف الزمنين. أي فذبحوها عند ذلك، أي عند إتمام الصفات، وكان شأنهم قبل ذلك شأن من لم يقارب أن يفعل.

أما معنى المقاربة التي يدل عليها لفظ كاد ونفيها بالأداة (ما)، فقد توقّفوا في توجيهه وتقريره. وقالوا: هو يقتضي بحسب الوضع اللغوي نفي مدلولِ (كاد) وهو المقاربة، ونفيُ مقاربة الفعل يقتضي عدم وقوعه بالأولى.

وقد أشكل هذا التأويل، وقيل: أنّى يجتمع ذلك مع وقوع ذبحها بقوله: {فَذَبَحُوهَا} ؟

وللجواب عن هذا طريقان:

إما على وجه اعتبار الجملة استئنافاً، فيكون المعنى أن نفي

ص: 478

مقاربة الفعل كان قبل الذبح حين كرّروا السؤال وأظهروا المطال، ثم وقع الذبح بعد ذلك. وبهذا الوجه أخذت جماعة اعتبرت كأن الفعل وهو الذبح وقع فجأة بعد أن كانوا بمعزل عنه. وهو بعيد إذا جعل الواو للاستئناف.

وإما على تقدير اختلاف أئمة العربية في مفاد (كاد) المنفية في نحو: ما كاد يفعل. والآراء في هذا متعددة تحتاج إلى بيان ومقارنة.

1 -

ذهب الزجاجي إلى أن نفيها يدل على نفي مقاربة الفعل. وفي هذا القول وقوف مع قياس الوضع، وهو دليل على انتفاء وقوع الفعل بالأولى. فيكون إثبات {كَادَ} نفياً لوقوع الخبر كما في قولك: كاد يقوم، ويكون نفيها نفياً للفعل بطريق فحوى الخطاب. وما ورد مما يوهم خلاف ذلك مؤول بأنه باعتبار وقتين فيكون بمنزلة كلامين. ومعتمد هذه الآية: فذبحوها الآن وما كادوا يفعلون قبل ذلك. وهذا جار في كلام العرب، فربما جعلوا الجمع بين خبرين متنافيين في الصورة قرينة على قصد زمنين. وبهذا قال ابن مالك في الكافية:

وبثُبوت كاد يُنفى الخَبَرُ

وحين تُنفى (كاد) ذاك أجدرُ

قدْ (كدتَ) تصبو منتفٍ فيه الصَّبَا

و (لم يكد يصبو) كمثل (إن صَبَا)

وغيرُ ذَا على كلامين يرد

كـ (ولدت هند وكادت لم تلد)(1)

2 -

وقال نحاة آخرون: إن إثبات (كاد) يستلزم نفي الخبر، وإن نفيها يصير إثباتاً على خلاف القياس. وهذا اتجاه معلوم ومشهور بين أهل الإعراب. وقد ألغز فيه المعرّي بقوله:

(1) ابن مالك. شرح الكافية: 1/ 466.

ص: 479

أنحويَّ هذا العصر ما هي لفظة

أتت في لسانَيْ جُرْهم وثمود؟

إذا استعملت في صورة الجَحد أثبتت

وإن أَثبتت قامت مقام جحود

وقد حملوا على هذا قول الله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} واعتُبِر هذا من غرائب الاستعمال الجاري على خلاف الوضع اللغوي.

وتذييلاً لهذا الوجه من التأويل أورد الإمام ما حكاه الأدباء والنقاد من خلاف بين ابن شُبرمة وذي الرّمة. أورد ذلك الجرجاني في إعجازه (1) والبغدادي في خزانته (2). قالا: أنشد ذو الرمة، وهو من هو جزالة وإبداعاً في شعره، من قصيدة له قوله:

إذا غيّر النأيُ المحبِّين لم يكد

رسيسُ الهوى من حبّ ميّةَ يبرحُ

وكان في المجلس ابن شُبرمة فناداه معترضاً: يا غيلان أراه قد بَرِح. فشنق ذو الرمة ناقته وجعل يتأخّر بها ويفكّر. ثم قال: "لم أجد" عوض "لم أكد". وحكى عنبسة العنسي ما سمعه ورآه في هذا المجلس لأبيه. فقال والده: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرمّة، وأخطأ ذو الرمّة حين غيّر لقوله شعره. وإنما هذا كقول الله تعالى:{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} (3)، وإنما هو لم يرها ولم يكد.

3 -

وقال ابن جني: إن أصل (كاد) أن يكون نفيها لنفي الفعل بالأولى كما قال الجمهور، ولكنه يمكن أن يستعمل نفيها للدلالة على وقوع الفعل بعد بطء وجهد، أو بعد أن كان بعيداً في الظن. وبمثل

(1) دلائل الإعجاز: 274، 317.

(2)

خزانة الأدب: 6/ 309، 746.

(3)

النور: 40.

ص: 480

هذا قال عبد القاهر. وأشار إلى أن ذلك استعمال جرى به العرف. يريد أنه من قبيل المجاز التمثيلي بأن تشبه حالةُ مَن فَعل الأمر بعد عناء بحالة من بعُد عن الفعل. وقال ابن مالك في التسهيل: وتنفي (كاد) إعلاماً بوقوع الفعل عسيراً أو بعدمه وعدم مقاربته.

4 -

وقال آخرون: إنّ (كادَ) إن نفيت بصيغة المضارع فهي لنفي المقاربة، وإن نفيت بصيغة الماضي فهي للإثبات، وشُبهتهم أنها جاءت كذلك في قوله سبحانه:{لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} ، وقوله تعالى:{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ونفي الفعل الماضي لا يستلزم الاستمرار إلى زمن الحال بخلاف المضارع.

5 -

وزعم آخرون أن أصل (ما كاد يفعل)(كاد ما يفعل)، وأن هذا من القلب الشائع.

ويمضي صاحب التحرير بعد ذكر هذه الأوجه الخمسة من أقوال اللغويين والنحاة، وتفصيل القول فيها وتأكيدها بما أقامه من شواهد وساقه من أمثلة، إلى المقارنة بينها والقول بأن أحقها عنده هو المذهب الثاني الذي رمز له المعرّي. وهو أنَّ نفيَها في معنى الإثبات. فإنّهم لما وجدوها في حالة الإثبات مفيدة للنفي جعلوا نفيها بالعكس كما فعلوا في (لو) و (لولا). ودليله على هذا مواضع استعمال نفيها، فإنك تجد جميعها بمعنى مقاربة النفي لا نفي المقاربة. ولعل ذلك من قبيل القلب المطّرد، فيكون قولهم: ما كاد يفعل، ولم يكد يفعل، بمعنى: كاد ما يفعل.

وقد ردّ، بعد هذا الضبط اللغوي للاستعمال، والتحقيق النحوي في المسألة، مقالةَ ابن مالك في التسهيل، ودعوى المجاز التي أشار إليها الجرجاني قائلاً: وإن ممّا يضعف ذلك اطراد هذا الاستعمال

ص: 481