الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كمقدمات للعلم، فمختصرات أو نَظْم لها، أو شروح وحواشٍ وتعليقات، أو مطولات. ومن أجل ذلك تختلط فيها مسائل العلوم، ويكثر الجدل والمناقشات، وترد فيها القضايا الكثيرة في غير تناسب بينها ولا ترتيب. فلا يتصوّر بعد ذلك تمكّن الشيوخ أو الإدارة أو الطلاب من اختيار كتبهم للدراسة، مراعين في ذلك التكوين العلمي والتدرج المعرفي والجانبين الضروريين النظري والتطبيقي، وبخاصة في المرحلة الأولى من التعليم.
قال الأستاذ الإمام الأكبر: "إنّ كُتُبَ التعليم عندنا لمّا لم يضعها أصحابُها لغرض التعليم، أو لم يراعوا فيها انتساب بعضها من بعض نظراً إلى طبقات التعليم، اعتمد كل واحد من المؤلفين طريقة توخّى فيها ما اعتقده الأصح للناظرين، ولم يلتفت أكثرهم في الماضي إلى وجوب التدرّج للتلميذ؛ أي: إلى تنقله من معلوم إلى مجهول"(1). ولم يكن في تقديري أن هذه هي حال الزيتونة، ولكنها السمة الغالبة على غيره من المعاهد؛ كالأزهر والقرويين وسائر المعاهد الدينية.
المطلب الثالث: العلوم:
جاء هذا الفصل في أليس الصبح بقريب إكمالاً لما قبله، وتجلية للرؤية المطلوبة في موضوعاته ومسائله، وتفصيلاً للآثار المترتبة على ذلك في ميداني التأليف والعلوم. وبعد أن تعرض قائد الإصلاح ورائده في جامعتنا الزيتونية إلى الحديث عن ثمرات العلوم وغاياتها، وبيان أطوار العلوم في الأمة، وربطَ تأخّرَ الأمة بتأخر
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 172 - 173.
العلوم فيها، وقف بنا عند جملة قضايا مهمة: منها: القصد من تدوين العلوم، ولفت النظر إلى العلوم الإسلامية، وبيان أصناف المقبلين على العلم في مجتمعاتنا، منتقلاً من ذلك إلى ذكر الأسباب العامة، أسباب ضعف العلم وتأخّره عندنا. وَلَكَمْ يكون حريّاً برجال التربية والتعليم أن ينتبهوا إلى فقرات هذا الفصل، لِمَا له من علاقة أكيدة وارتباط كبير بما يتدبّرونه من قضايا، ويتناولونه من مشاكل تربوية وتعليمية، كان اعتمادهم في أكثرها على الآراء والنظريات البيداغوجية التي وضعها أصحابها لمجتمعات غير مجتمعاتنا، وأطفال غير أطفالنا، فيفيدون مما حرره العلماء، ويجدون فيه الغناء عن لوك مقالات المربِّين في القرون الوسطى من غير أهلينا.
وقد كان التمهيد لذكر أسباب التأخّر بالعودة بنا إلى حصر العلوم الإسلامية التي كان يعنى بها الشيوخ، متفرّغين إليها تلقيناً وتقريراً وبياناً وتحريراً. وأبرزها الفقه واللغة والنحو وتفريع الفروع الفقهية والمسائل العلمية. وذلك للنظر في محتوى هذه العلوم وطُرق عرضها.
وكان أول ما انصرف إليه الشيخ رحمه الله من الحقائق في هذا العلم هو التنبيه إلى أن تدوين العلوم كان من السلف بداعي النصح للخلف. وهذا لا يتم إلا متى حصل الإغناء من الأولين لمن بعدهم عن إضاعة الأوقات فيما فرغوا منه من استقداح الأفكار فيما جمعوه ودونوه من معارف وعلوم. وهكذا تقتصر مهمة الخلف على الزيادة على ما أخذوه عنهم وورثوه منهم. ويَضمن هذا عن طريق النظر والدرس والاستنتاج إيجاد الملكة العلمية، وترقية الأفكار، وصقل مرايا العقول. ولا يحصل الغرض الشريف من ذلك بأمر الناس بمتابعة ما وضع لهم، أو بتلقي ما بلغ إليهم من وضع الواضعين بكل