المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

وهذا الاستدلال ينظر إلى قول الله جل ذكره: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (1) أي لم أكن شقياً مع دعائك، فإني لم أعهد عدم استجابة دعائي.

وجرى قوله: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" مجرى المثل، وأصبحت دلالته بمعنى أن الجلساء لا يختصون عن جليسهم بمزية، ولا يستأثرون عليه بخير. فلما أكرمهم الله بالمغفرة أكمل لهم الكرامة، فلم يحرم منها جليسهم حتى لا تثلم كرامتهم بحرمان جليسهم من المغفرة التي أَعطوها (2).

* * *

‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرّم، فحرّم من أجل مسألته"(3).

هذا الخبر من مشاكل الآثار التي عني المحدثون والفقهاء ببحثها وتجلية المراد منها. وهو يحتاج، لحمله على الوجه الحقيقي المطلوب، إلى تفكُّر وتدبُّر. وقد وردت نصوص من الكتاب والسنة بمعناه. فمن ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} (4) وفي الحديث الصحيح إلى جانب الخبر موضع التعليق والبحث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حدد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت

(1) مريم: 4.

(2)

النظر الفسيح: 321 - 322.

(3)

96 كتاب الاعتصام، 3 باب ما يكره من كثرة السؤال. خَ: 8/ 142.

(4)

المائدة: 101، 102.

ص: 401

عن أشياء رحمة بكم، غير نسيان، فلا تسألوا عنها" (1).

ولبيان وجه الإشكال في هذا الأثر، وضع الإمام الأكبر إطاراً لتصوّر الإشكال ودفعه، يعتمد فيه على قواعد ثلاث أساسية لا نزاع فيها:

1 -

إن أحكام الشريعة تكون على وفق ما في الأفعال الثابتة هي لها من مصالح ومفاسد.

2 -

إن الفعل المُحَرَّم جدير بالتحريم، والواجب جدير بالإيجاب {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (2).

3 -

أن ثبوت الحكم للفعل، من تحريم وغيره، يكون عند تعلُّق حكم الله بذلك.

ويبيّن المشكل، بل يبيّن وجه الإشكال بعد في هذا الحديث بقوله: فكيف يكون السؤال عن الحكم مقتضياً ورود تحريمه؟ ولذلك لم تظهر تبعة للسائل من جراء سؤاله، ولعله يكون مستأهلًا للثناء شرعاً، إذ يكون سؤاله سبباً في دفع مفسدة فعل بتحريمه أو جلبِ مصلحةٍ بإيجابه.

وبالتأويل والنظر في هذا الخبر وما يقتضيه، وبالاستفادة بما اتجه له الشيخ من رأي يَصرِف الإشكالَ ويدفعُه، فإن بعض الأفعال قد يشتمل على مفسدة عارضةٍ، وقد تتفاوت مفسدته بالقوّة والضعف باختلاف الأوقات أو باختلاف أحوال الناس. فيقتضي الأمر من الشارع السكوتَ عن تحريمه وقت عروض المفسدة له، وَيكِل الانكفاف عن فعله للناس لتحرّجهم منه، كامتناعهم من الجماع ليل

(1) محمد الطاهر ابن عاشور. المقاصد: 270.

(2)

الأعراف: 157.

ص: 402

رمضان حتى نزل قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} (1) أو لأن الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا صالحين. فهو يكل بعض الأحكام العارضة إلى ما يعلم من زهدهم وورعهم؛ أو لأَنَّ في ذلك بعدَ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تفويضاً إلى أفهام الفقهاء في الدين، فيردُّون ذلك بالاجتهاد إلى الكتاب والسنة. وقد يتعذر تحديد كيفية التحريم لتشعّب صوره، ودقة الفروق التي تؤقّت التحريم، وعُسر وضع عموم الناس تلك الصور مواضعَها. فيترتب على هذا أنه إذا حرم تحريماً غير مفصل دخل على الناس حرج بذلك، وإذا فصّل فُتح، لأسباب الأفهام الضعيفة، باب التقصيد فيه. وهذا لا يناسب منهج الشرع، فيكون سؤال السائل عن ذلك الحكم موقعًا للناس في حرج، ومغلقاً في وجوه العلماء باب الاجتهاد من تفصيل وتأويل. وربما قام الدليل على ذلك ككراهية الرسول صلى الله عليه وسلم تناقل الناس أنه حلّل أو حرّم غير ما حلّله القرآن أو حرَّمَهُ. وهذا ما أثار عند علماء الأصول النظر في الأحكام الثابتة بالكتاب، وما هو معلوم من الدين بالضرورة.

والجُرْم، في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، إمّا أن يراد به الذنب فقوله:"من أعظم الناس جرماً"، أي من أعظمهم ذنباً، وصف بذلك السائل لتسبّبه في حرج مستمر على المسلمين. ومثال هذا ما روي من النهي عن كراء الأرض بما يخرج منها، وتحريم عودة المرأة إلى زوجها بعد الملاعنة، والرجم في الزنى. وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عن المقرّ على نفسه ثلاث مرات لعله ينصرف.

(1) البقرة: 187.

ص: 403

ويمكن حملُ الجُرم على الشيء المكدِّر للناس لا على الذنب، فيكون المراد منه أن السائل الذي يَحْرُم الشيء بسبب سؤاله أعظم الناس إحراجاً لقومه بذلك السؤال.

ثم أورد المؤلف، عقب هذا التعليق الجيّد المفيد، مثالًا ثانياً لبعض ما أشكل من الآثار، وهو في نفس الكتاب ونفس الباب، ففي حديث زيد بن ثابت في صلاة الليل قال:"إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير، وفيه: ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

ووجه الإشكال في هذا الحديث: أن الله إذا أراد أن يفرض على الأمة فريضة لا يتوقف مراده على ظهور حِرص الأمة على فعل شيء فيكتبَ عليهم. ذلك أن شرع الأحكام من الله تعالى يكون على حسب ما فيها من مصالح ومفاسد. فلا يؤثر حِرصٌ ولا زهادةٌ من الخلق في فعل من الأفعال حكماً يقتضي تشريع ذلك الفعل.

وللإجابة عما يوهمه الحديث من الإشكال يقول المؤلف: يمكن أن يكون قد نصب الله لنبيه علامات تؤذن بأنه سبحانه سيكتب على الأمة عملاً، وتُقبل الأمة على عمل من الأعمال الحسنة فيجعلُ الله ذلك الإقبال تيسيراً أو تهيئة لتحمّل ما سيكتب عليها. فأشفق الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى من حرصهم على صلاة الليل أن يكون من هذا القبيل. وربما كانت الكراهية للشيء القبيح أمارة على تهيئة النفوس لتلقي تحريم. ومثال ذلك كراهيتهم للخمر بعد واقعة حمزة مع علي، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم (1)؛ وبعد قراءة الإمام في صلاته: {قُلْ

(1) انظر: 36 كتاب الأشربة، 1 باب تحريم الخمر، ح 1، 2. مسلم: 2/ 1568 - 1569.

ص: 404

يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (1).

ولم يمنع اشتغال المؤلف ببيان مواضع الإشكال في الخبرين ومحاولته دفعه من أن يمضي على ما التزمه من تحقيق النصوص التي بين يديه، ينظر في الحديث السادس من الباب وهو حديث أنس: أكثر عليه جماعة من السؤال فرأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم. فبرك على ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ذلك، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أولى، والذي نفسي بيده

" الحديث.

ولفت ما في النُّسخ كتابةُ أولى بالإمالة، فدلّ ذلك على أنها ليست مركبة من "أو" العاطفة و"لا" النافية. فلا اعتداد بزعم من قال بذلك. ولكنها أولى التفضيلية من الولْي تجيء بها العرب في مقام التحذير، والتهويل ومنه قوله عز وجل:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} (2).

فمن هذه الأمثلة التي استعرضناها من الكشف والنظر الفسيح يتضح لنا المنهج العاشوري في تأمّلاته وملاحظاته وتعليقاته وتحريراته، وهو وإن قام على أسس المطالعة الواسعة والعلم التام بما كتبه الشيوخ في مختلف الجوانب التي تتصل بنص الحديث، فإنه يرتكز دون شك على النظر الدقيق والقدرة على اختراق الأشكال والصور، بل على استخدامها والاستلهام منها لجواهر المعاني وأبعاد الإيحاء للنصوص الشريفة من السنة النبوية التي شغلت نفسه وخالطت لبه وملأت رُوْعَه وقلبه.

* * *

(1) قيل: خلط في قراءتها عبد الرحمن بن عوف، وقيل: علي. الطبري: 8/ 376، 9524، 9525؛ النساء:43.

(2)

القيامة: 34 - 35؛ النظر الفسيح: 364 - 368.

ص: 405