المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وعيار المقاربة في التشبيه الفطنة وحُسن التقدير. فأصدقه ما لا - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: وعيار المقاربة في التشبيه الفطنة وحُسن التقدير. فأصدقه ما لا

وعيار المقاربة في التشبيه الفطنة وحُسن التقدير. فأصدقه ما لا ينتقص عند العكس.

وعيار التحام أجزاء النظم والتئامه على تخير من لذيذ الوزن الطبعُ واللسان.

وعيار الاستعارة الذهن والفطنة. وملاك الأمر تقريب التشبيه في الأصل حتى يتناسب المشبه والمشبه به. ثم يُكتفى منه بالاسم المستعار لأنه المنقول عما كان له في الوضع إلى المستعار له.

وعيار مشاكلة اللفظ للمعنى وشدّة اقتضائهما للقافية طول الدربة ودوام الدراسة. فإذا حكما بحسن التباس بعضهما ببعض لا جفاء في خلالها ولا نبر، ولا زيادة فيه ولا قصور، وكان اللفظ مقسوماً على رتب المعاني قد جعل الأخص للأخص والأخس للأخس فهو البريء من العيب.

هذا عمود الشعر ومعاييره يضعه المرزوقي بين أيدي طلّاب الأدب ورواده. فلا يتأولونه بعد اليوم ضروباً شتى من التأوُّل تختلف معها تصوّراتُهم واتجاهاتُهم، وتتناقض معها آراؤهم وأحكامهم، وتضيع بها الحقائق العلمية والمدركات الفنية، فتنطمس بسبب ذلك مسالك الإبداع وطرقه وتنطفىءُ لوامع الأدب وروائعه.

‌النقاد ومذاهبهم:

وبقدر ما يعنى الباحث بالنظر في أسباب جودة الكلام ومحاسنه، وما يزداد به بهاء وجمالاً، يتعيّن عليه أن يكون قادراً على معرفة عيوب التأليف والنظم، مستشعراً لعلل الاختلال وأسباب الرداءة، كأن يكون اللفظ وحشياً أو غير مستقيم، أو غيرَ مستعمل في المعنى المطلوب، أو به زيادة أو نقصان يُفسد المعنى أو فاقدَ الالتئام بين أجزاء البيت في القَسم أو التقابل أو التفسير، أو بمعناه تناقض،

ص: 663

أو فيه خروج إلى ما ليس من مقتضى العادة أو الطبع، أو يكون الوصف فيه غير لائق بالموصوف، أو يكون في البيت حشو لا طائل فيه. وهكذا بإدراك الناظر الدقيق وإحساسه العميق ترتفع منازل الدارسين لفنون الأدب، وتتجلّى صفات الناقد الذي يُقبل نقده ويرتضى حكمه. ومن ثمة نعتوا صيارفة الكلام بعدّة أوصاف. فالناقد البارع كما نبّه إلى ذلك المرزوقي في مقدمته:

- هو من عرف مستور المعنى ومكشوفه، ومرفوض اللفظ ومألوفه فميَّزَ المعنى المبتدع الذي لم تقتسمه المعاوض، ولم تعتسفه الخواطر، ونظر وتبحَّر ودار في أساليب الأدب فتخيّر. وطالت مجاذبته في التذاكر والأبحاث والتداول والابتعاث. وبان له القليل النائب عن الكثير، واللحظ الدال على الضمير، ودرى تراتيب الكلام وأسرارها، كما درى تعاليق المعاني وأسبابها. إلى غير ذلك مما يُكمل الآلة ويشحذ القريحة.

فتراه لا ينظر إلا بعين البصيرة، ولا يسمع إلا بأذن النِّصفة، ولا ينتقد إلا بيد المعدِلة. فحكمه الحكم الذي لا يبدّل، ونقده النقد الذي لا يغيّر (1).

ومن هذا البيان المفصل، من كلام المرزوقي في النقد، يتحقّق لدى العلماء بفن القول وغيرهم أن أسباب الاختيار عند أهل الصناعة حقيقية لا وهمية.

وقد عزز الإمام الأكبر حقيقة الناقد هذه بما نقله عن الآمدي في موازنته من قوله: "وأنبّه على الجيّد وأفضله، وأبيّنُ الرديء

(1) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 130.

ص: 664

وأرذله، وأذكر من علل الجميع ما ينتهي إليه التخليص، وتحيط به العناية، ويبقى ما لم يمكن إخراجه إلى البيان، ولا إظهاره إلى الاحتجاج. وهي علة ما لا يعرف إلا بالدُّربة ودائم التجربة وطول الملابسة. وبهذا يفضّل أهلُ الحذاقة بكل علم وصناعة مَن سواهم ممّن نقصت قريحته وقلّت دربته، بعد أن يكون هناك طبع فيه تقبّل لتلك الطباع وامتزاج، وإلّا لا يتم ذلك" (1).

ولعلنا نختم هنا أهم عناصر المقدمة بما ختم به المرزوقي مواضع درسه القائم على المقارنة والمفاضلة. وهو عنوانان:

(1)

سبب تأخر الشعراء مرتبةً عن الخطباء والكتّاب.

(2)

قلّةُ المترسّلين من الكتاب، وكثرة المفلِقين من الشعراء، ونباهة أولئك وخمول هؤلاء.

للجاحظ في ترتيب الشعراء مع الخطباء والكتاب كلامٌ نقله عن أبي عمرو بن العلاء. يفيد أن المنزلة الأولى في الجاهلية كانت للشعراء لفرط الحاجة إليهم. فالشعر يقيّد مآثرهم، ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم. ولكنّهم عندما كثروا واتخذوا الشعر مكسَبة، ورحلوا إلى السُّوقة وتسرّعوا إلى أعراض الناس، تدنّت منزلتُهم. وقال أهل النقد في ذلك: الشعر أدنى مروءة السَّرِي وأسرى مروءةَ الدنيء (2).

ومن أسباب تأخّر المنظوم عن رتبة المنثور:

1 -

ورود القرآن نثراً، وبه الإعجاز.

(1) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 130.

(2)

ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 131.

ص: 665

2 -

احتياج الملوك في الجاهلية إلى الخطباء، وعدُّهم الخطابةَ أكمل أسباب الرئاسة، وأفضل آلات الزعامة.

3 -

قيام النثر مقام النظم لا العكس.

4 -

النثر يحتاج في محصِّله إلى آلات لا يقتضيها ولا يتطلّبها النظم.

5 -

ارتفاع منازل الكتاب إلى درجة الوزراء، وبقاء الشعراء دونهم. فلا تعلو درجتُهم عن رتبة المستعطين. فثبت بهذا فضل النثر على الشعر من عهد الجاهلية، وعززه الإسلام (1).

هذا وجوانب القول - في مقدمة المرزوقي وشرح الشيخ ابن عاشور لها - كثيرة فسيحة لا يُلمّ بها جميعِها هذا التقديم لشرح مقدمة المرزوقي. ويكون من الضروري أن نضيف إلى مَا قدّمناه بعض الإشارات الدالّة على أهميّة هذا الأثر البلاغي النقدي الأدبي. فالإمام الأكبر، بجانب ما عرضه من آراء بلاغية ونقدية، ترجم لعدد من الكتاب والشعراء، وأنزلهم منازلهم مثل أبي تمام صاحب الاختيارات، والصولي التركي الأصل ذي النثر البليغ والشعر الرقيق، وأبي علي البصير الفضل بن جعفر الكوفي الضرير المتميّز في فني النثر والنظم، والعتّابي الشاعر المجيد والكاتب البديع الترسّل (2).

كما ترجم لعبد القاهر الجرجاني وللحاتمي وللسكاكي، وتحدَّث عن أئمة الأدب والكتاب كابن الأثير، ونوّه بابن طباطبا الشاعر أحد دعاة المدرسة اللفظية، وذكر جملة من آثاره مع وصفه له بالفطنة وصحّة الذهن. ولم يُغفل في شرحه للمقدمة ذكر المبرد إمام العربية، والحسن بن رجاء الشاعر الكاتب، وابن أبي عيينة أحد

(1) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 132.

(2)

ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 10، 19.

ص: 666

الشعراء المطبوعين (1).

ومن عناية المؤرّخين ورجال ديوان الإنشاء بالكتابة أن سجَّلوا في ذلك ملاحظات، ووضعوا مصنّفات واسعة في هذا الغرض، مثل خواطر الحريري في مقاماته، وكتاب القلقشندي صبح الأعشى، ونهاية الأرب للنويري.

وفي الجزء الثاني، المتعلق بقلة المترسلين ونباهتهم، وكثرة الشعراء وخمولهم، ينقل المرزوقي ومعه شارحه فقرات من كلام ابن الأثير.

كان تصوير ابن الأثير للفئتين على الوجه التالي: فقد قيل: ينبغي للكاتب أن يتعلّق بكل علم حتى قيل: كل ذي علم يسوغ له أن ينسب نفسه إليه، وذلك لما يفتقر إليه الخواصّ من كلّ فن (2).

وفي مكان آخر من مَثَله السائر يقول: إن الكتابة تفتقر إلى سبعة أنواع من الآلات: هي علوم العرَبية، وعلم اللغة، وأمثال العرب، والاطلاع على تأليف من تقدّمه من أرباب الصناعة المنظومة والمنثورة، ومعرفة الأحكام السلطانية، وحفظ القرآن، وحفظ ما يحتاج إليه من السنة (3).

وهذا أمره واضح في مساندته للكتّاب وتقديمهم على الشعراء بما اكتساه من مبالغة وإسراف في عدّ العلوم التي يحتاج إليها الكاتب دون الشاعر، وبعض هذه الشروط مما كانت تحتاجه الصناعة في

(1) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 30.

(2)

ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 140.

(3)

ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 140.

ص: 667

الدواوين. والحق أن الشاعر أيضاً يحتاج إلى قسم من هذه العلوم وإلى مثلها، كما فصل ذلك رجال النقد، وفي مقدّمتهم حازم القرطاجني في منهاج البلغاء في أقسامه الثلاثة: المباني والمعاني والأسلوب.

واستنتج المرزوقي من الواقع، ومن هذه الآراء المفصّلة الأغراض في مواضع من نهاية المقدمة، يسانده الإمام الأكبر: "لما كان الأمر على هذا صار وجود المضطلعين بجودة النثر أعزّ، وعددهم أغزر، [لصعوبة هذا الفن وشدّة الاحتياج إليه في مناحي الحياة ومختلف الدوائر. وقد وَسَمت الكتابةُ المترسِّلين بشرفها وبوأتهم منزلة رئاستها

] أما الشعراء فإن أغراضهم، وإن كانت رائعة للنفوس، ومرغوبة عند أهل الذوق السليم، لكنهم دون الكتاب لأن مرتبة هؤلاء مهيبة، وآثارهم عجيبة" (1).

وشارح المقدمة في كل قضية من قضايا النقد يبحثها، يروي عن هؤلاء وغيرهم كالجاحظ والخوارزمي من الأدباء الكتاب، وعن عدد من الشعراء والخطباء المتقدّمين، وعن طائفة من المولّدين أمثال أبي الطيب والمعري وابن زيدون فيحلل آثارهم، ينقدها مرّة، ويقارن في كل طائفة منهم بين مسالكهم ومناهجهم الفنية مرّة أخرى، مثبتاً مراجعه في هذا الغرض بما ينقله عن دلائل الإعجاز، والمفتاح، والبيان، والكامل، والمثل السائر، والمقامات، والعمدة، ونقد الشعر، والموازنة، والأغاني، وجمهرة أشعار العرب، وجمهرة الأنساب، وتاج العروس، إلى غير ذلك من كتب الأدب واللغة والبلاغة والنقد.

(1) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: 143 - 145.

ص: 668

وربما أضاف إلى هذا كله أخباراً ونكاتاً بلاغية نقدية كحديثه عن واقعة بعكاظ نقد فيها النابغة شعر حسّان، وعما عرض لوالي اليمامة في خطبته الوعظية من الضعف، وقصة عبد الله بن السمط مع المأمون، وقصة بشار مع رؤبة بن العجاج.

ولم يكتف بذلك، بل تجاوزه إلى بعض التعليقات العلمية والتفسيرية من بينها:

- تنبيهه على أن الإعراب ليس ما يتوقف عليه معنى الكلام، بل تتوقف عليه سرعة الفهم. وهو فن لفصاحة الكلام العربي.

- وضبطه لقبائل الخيل بقوله: قبائل جمع قبيلة، وهي من أربعين من الخيل إلى ستين.

- وملاحظته النقدية لبعض العروض حين قال: على أن بعض العروض في بعض الموازين لا يخلو من ثقل، مثل الضرب الثاني المقطوع من بحر المنسرح وهو:

مستفعلن مفعولات مستفعلن

مستفعلن مفعولات مفعولن

- نقله كلام الأخفش في القافية لجعله إياها الكلمة الأخيرة من كل بيت. وهو ما يتعارض مع إطلاقها عند علماء القوافي في بيان أحكام آخر البيت على الساكنين اللذين في آخر البيت مع ما بينهما من حروف متحرّكة، ومع التحرّك الذي قبل الساكن الأول.

- ضبطه لبعض الصيغ أو المفردات التي يعثر عليها في بعض النصوص التي يستشهد بها، كما في نقله لكلام الجاحظ في بيان المختار المستقيم من الألفاظ حين قال:"ومتى شاكل اللفظ معناه وأعرب عن فحواه، وكان لتلك الحال وفقاً ولذلك القدر لِفْقاً"، علّق على صيغة الكلمة الأخيرة بقوله: اللفق، بكسر اللام وسكون الفاء،

ص: 669

شقة من ثوب تضم إلى أخرى. يقال: لفَقَ الثوب، من باب ضرب، إذا ضمت شقة إلى أخرى بخياطتها. فاللِّفق، بكسر اللام، زنة فِعل بمعنى مفعول مثل ذِبح بكسر الذال.

- وشرح كلمة الرمضة بالأرض التي اشتدت حرارة مرعاها من شدة الرمضاء. وفي قولهم: "لا يرمضون" استعارة مكنية.

وتعدد شرحه للكلمات اللغوية، وبلغ ذلك نحواً من 106 موضع أوردها المرزوقي في - مقدمته - مثل: الوكد، والمجاذبون، والمدافعون، والاجتواء، والأعطاف، والأقدار، والمطرح، وبعضها استعمالات تحتاج إلى بيان. مثل: جارَيتني، وعلى اتساعها، وتعطيك مرادك، وثالثة وهي جملة المصطلحات البلاغية والنقدية كالأتيّ، والأبيّ، والمقصّدات، والأسلوب، والمترسلون، والمفلقون، والأرداف، والتصاريف. والطبع، والفِقر، والغرر، والإغفال، والإعطال، والمطبوع، والمعارض، والإطباق، والمناسب، والمناصب، والمصنوع، ونحو ذلك. وهذا المعجم الصغير الموزعة مفرداته أشتاتاً أثناء شرح الإمام لمقدمة المرزوقي يثير أهمية عند الباحث، ويوطىء به الشارح على عادته لإيصال المعاني للقارىء والسامع بأسرع طريق، وأدق أسلوب. ولعل الدافع إلى ذلك دقّة الاستعمالات اللغوية، وشرح ما أغلق من الكلمات، وضبط جملة من التصرّفات القولية، وتحديد العديد من المصطلحات التي يحتاج إليها الدارس والمتأدِّب في مجالات البلاغة والنقد.

* * *

ص: 670