المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌د - جوانب الإصلاح: - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌د - جوانب الإصلاح:

أنموذجاً يحتذى، ومخططاً متَّبعاً، ومنهجاً ملتزماً سار عليه الإمام الأكبر محمد الطاهر ابن عاشور.

ولم يكن النظر إلى الإصلاح ودواعيه محصوراً في حدود بلد معين، بل هو منتشرٌ أين انتشرت أسباب الفساد التي قوضت حضارتنا ومباهجها، وسامتنا الخسف بما ظهر عندنا في البلاد العربية والإسلامية كافة من مظاهر التخلف.

وللتعريف بالجانب الإصلاحي وبالجهود التي بذلها الأئمة والعلماء في مختلف البلاد؛ وضعنا باباً خاصاً وفصولاً كثيرة، تصف هذه الحركة الإصلاحية وتبسط القول في قضاياها، وفي المنهج الذي خضعت له، لتكون أمراً ميسوراً تتلقّاه شعوبنا في حماس وتجاوب، هما الأساس في تغيير أحوالنا وخلاصنا من الدرك الأسفل الذي نزلنا به وتردّينا فيه.

‌د - جوانب الإصلاح:

إن الجوانب التي نلفت النظر إليها في الإصلاح ثلاثة: هي الإصلاح الذي خرجت به الأفراد والمجتمعات من الظلمات إلى النور، ومن الغواية إلى الرشاد، ومن الغفلة إلى الصحوة، ومن الحيرة إلى ما يكون به صلاح العقيدة وصلاح العقل والفكر وصلاح السلوك والعمل. ولما أراد الله لهم الفيئة إلى الحق زيّن سبحانه أعمالَ الدعاة، ورفعهم منازل سامقة، وجهّزهم بكل ما يحتاجون إليه من توفيق خالص، وهداية واسعة وعلم نافع. يشهد لهم بذلك القرآن الكريم في قوله:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1).

(1) سورة فصلت: الآية 33.

ص: 31

وبقدر ما يكون الإصلاح الاجتماعي متوفرة شروطُه، مُتمازجة خصائصُه، متلاقية أبعادُه ومراميه، يقتضي من المصلحين معرفة الأحوال، وأعراضَ المرض، وأسباب الخذلان، فيحاول بذلك الدعاة تحقيقَ الحاجة الإسلامية، وإقامة الأخوة بين المؤمنين.

وقد اتضحت هذه الحقيقة لدى المسلمين كافة، وقرر أصولها علم الاجتماع بما ينبغي أن يتوفّر لدى دعاة الإصلاح من ربط أسباب النهوض والسقوط بما تكون عليه العقيدة والدين.

فالإسلام هو دين الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يلقِّن العقيدة الصحيحة، ويملأ النفوس طُهراً، والقلوب تمسُّكاً بما جاء به من مبادئ وحقائق وأصول وقيم حملها الرسول صلى الله عليه وسلم أمانة إلى الناس، حماية للأمة من الذوبان في غيرها، ومما يطرأ عليها من انحراف عن منهج الرشاد، يفقدها هويتها، ويُبعدها عن التمسك بدينها الذي رضيَه الله لها وأتم به نعمته عليها.

وإن طريق الإصلاح في اتباع الدين وما أَوحَى به الله. والفطرة تساير ذلك ولا تضاده. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1). وقد يكون منشأُ الإصلاح وسبيلُه توفيقاتٍ إلهية منزّهةً عن كل غاية بِقَدْرِ ما يظهر فيها من أدب راسخ في النفس، وبقدر ما يتضح للناس من آثار جميلة معتبرة في إقامة نظام المعاملة بين باعث خير ووازع شر.

وهذا المقصد لا يقوم إلا على الحقائق والاعتبارات الحكيمة.

(1) سورة الروم: الآية 30.

ص: 32

فإذا ابتعد الإصلاح عن هذا الخط، وانبنى على ما تزيّنه الأهواء والاتجاهات المريبة تجافى عن الحق والصدق، وفقد مع ذلك المعنى الديني الذي هو أساسه، ولم نجد بعد الدعامة لتجديد أمر هذه الأمة الذي بشّر به الرسول صلى الله عليه وسلم.

ودعا شيخ الإسلام إلى الإصلاح الكامل حين ذكّر بمحاسن الدين، وبوجوب التمسك بعالميته. فكأنه يريد أن تنتشر - بين الناس كافة - المقاصدُ الطيّبةُ وما يسبقها من وسائل نافعة، ويتبعها من تحول وتغير يَظهر بهما الحقُّ على الباطل، والخيرُ على الشر، والأعمالُ الصالحةُ على المساوئ التي تزاحمها. ومما لفت الإمام النظر إليه، ودعا له، فضائل إسلامية وصفات تشريعية لا يتم صلاح الفرد ولا الجماعة إلا بالحصول عليها، والالتزام بها، مثل: السماحة والوسطية، والعدل والإحسان.

وحركة الإصلاح هذه لا بد أن تكون مستندة إلى معرفة، وإلى تفقُّهِ في الدين، ووقوف على خفاياه وأسراره. يشهد لذلك قوله عز وجل:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1). حقائق سرمدية تتجدّد مع كل جيل، يحملها الدعاة إلى الله، يُسعِدون بها القلوب المتعلقة بربها، فلا تبرح معانيها القيّمة تنتقل من الدعاة المصلحين إلى قلوب مَن أُبلغوا الدعوة واتبعوا السبيل.

وقد ضبط الإمام الأكبر للأمة الإسلامية أحوال نظامها الاجتماعي في تصاريف الحياة كلها، تكملة للنظام الديني الذي هيأ أفراد الناس للاتحاد والمعاشرة. ثم دعا المؤمنين إلى تطبيق ما خطط

(1) سورة التوبة: الآية 122.

ص: 33

لهم من قوانين في العبادات والمعاملات. وأساس هذا التحديد والضبط الإيمان بالله، والاستسلام إليه، والامتثال لحكمه، والتوجه بالعبادة وإخلاص الدين له. فالعبادة في الإسلام، بجميع صورها ومختلف أشكالها، أفعال وأقوال تزكّي النفس وتَبلغ بها حدّ التميُّز والكمال. وهي الحكمة والمقصد الشرعي الذي تقتضيه الفطرة، وتَتَحقق به المصلحة. ويقارن الفطرة في الشريعة الإسلامية وصفان ثابتان هما العموم والدوام. فهي لا تتخلّف، ولكن تتعدد. وعند تعارض المعنيين تحمل على الركون إلى اختيار أعرقهما في المعنى الفطري، وأليقهما بالانتشار بين الناس، وأدومِهما بينهم. وهكذا تقتضي الفطرة وجود أوصاف تحرص على توافرها في تصرفات الناس ومعاملاتهم، يوحي بها قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (1). وجاء في الأثر: "خير الأمور أوسطها"، وقال زهير:

همُ وَسَطٌ يَرضى الأنام بحكمهم

إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

وفي سلوكيات المسلمين في عباداتهم، ما يرفع من شأن الإنسان، ويزيده زكاءً وطهراً. ولئن ظهرت في تلك الممارسات ما يجعل من الصفات المشار إليها ما هو أعظم نفعاً وأبقى أثراً، فإنه غير خافٍ أنه لا تدرك أسرار ذلك غير طائفة تنساق إلى الفطرة وتتجاوب معها. فالمعاملات أوضح حقائق، وأقرب ملتمساً. وهي ثلاثة أنواع:

الأول: ما يتعامل به الناس في خاصّة أنفسهم، ويدعوهم إلى التعامل به على الوجه المطلوب ما يقتضيه الاعتبار من تحقق النتائج

(1) سورة البقرة: الآية 143.

ص: 34

من جهة، وما يكون به من جهة ثانية من مُحافظة على أصول التعامل في الإسلام. وهذا غير ملزم بالطبع، وإنما هو اختياري كالمجاملات بين الناس، وآداب الصحبة والقرابة المرعية. ومن هذا القبيل مكرمات رغّب فيها الدين لما تدفع إليه الحاجة من زرع التعاون والتآلف والمواساة.

النوع الثاني: هو عبارة عن معاملات حقوقية تستوجب في ذاتها الوفاء. وذلك لما يمكن أن تؤول إليه من أعمال قصدية. وينقص هذه صدقُ النظر وصحةُ المعاملة. ومثال هذا النوع ما هو داخل في المعاملات الاعتبارية: النية الطيبة، وحُسن الظنّ بالمؤمن؛ فإنهما من الأمور التحسينية على ما فيهما من تفاوت. وهذه التصرفات: إما واجبة لازمة وفاء بما أنيط به الحكم من مقصد أو حكمة، وإما جائزة غير واجبة يقتضيها ما جرت عليه من حُسن السلوك، أو من ظن مصحوب بإرادة التنازل عن الحق، أو الانتصاف من النفس. وجملة ما يمكن أن تدلّ عليه هذه المواقف المختلفة إزاءَ النصوص الثابتة، وما يثبتها من ممارسة المرء لهذا الحق الانقياد لروح الإسلام وحقيقتِه، ونشر فضائل هذا الدين وبيانها للناس قاطبة. وهل الدين القويم كما ذكر ذلك الأئمة والحكماء إلا سبب من أسباب الرقي وانتشار العمران.

وإذا كانت طرق الإصلاح للأفراد والمجتمع بالوجه الذي أومأنا إليه، فإن المنطلق الأهم لإصلاح التعليم، يبقى في واقع الأمر هو الأصل الذي يحيا به الناس، وتدفعهم الرغبة الشديدة إلى تغييره أو استكماله بإضافة الكثير من متعلّقاته، وكمالاته. وهذه الوظيفة لا يقدر عليها غير المجتهدين والمصلحين من العلماء.

والإصلاح، وإن بدا مشكلاً معقداً فإنه يستوجب دون تردد

ص: 35