المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة) - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

‌1 - الفتوى الترنسفالية

(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

إن مجال تقرير الأحكام في الفقه الإسلامي في هذا العصر، وفتوى الناس فيما يقصرون عن معرفة حكم الله فيه، يتطلّب من المنتصب لهذا المهم تحريراً لمناط الحكم، وتحقيقاً أو حرصاً على إيراد الأدلة القوية الثابتة على صحّته باستمدادها من الكتاب والسنة، وعدم معارضته أو مناقضته للقواعد العامة المعتبرة في الشرع، وأن تكون فتواه بما يراه أقوى دليلاً، وأقوم قيلاً، وأنفى للحرج على المسلمين. وذلك مع الالتفات إلى مقصد الشارع من الحكم وإلى حكمته في تشريعه. وهذا هو منهج المحقّقين من الفقهاء المجتهدين في الدين، الملتزمين بالحق، لا يثنيهم عمَّا قام عليه البرهان لديهم أيُّ رأي أو اتجاه مخالف مهما كان مصدره، ولا يمنعهم من الإعلان عما توصلوا إليه بعدَ النظر، وأيقنوا أنه الحق الذي تطمئن إليه نفوسهم، وإن نازعهم المقلدون هذا الرأيَ، أو خالفهم فيه العابثون بالدين، المناوئون لهم، المتحاملون عليهم.

وأمام تعدد الآراء واختلافها قديماً وحديثاً، وعدم الانصياع أحياناً كثيرة لما هو مقتضى الدرس، ونتيجة البحث والتبصر، وأمام غلواء المكابرين والمعاندين، ورفضهم كلّ الآراء في القضايا المستجدّة إذا خالفت ما اعتادته العامة أو أنكرته الخاصة من المقلّدة، بحكم التزمت والجمود، يبتعد الناس عن الصواب، وتنشأ النزاعات والفتن، وتحتجب الحقائق، وتنتشر الغَواية والضلال يحكمهما الهوى المتَّبَع.

ولتصوير منهج الإمام الأكبر في فتاواه، نقدم نماذج من آرائه المساندة لما يراه من حق، أو تقضي به الملابسات والظروف

ص: 430

والأعراف. فمن ذلك: موقف الإمام الأكبر محمد الطاهر ابن عاشور من الفتوى الترنسفالية.

وَرَدَ على الأستاذ الإمام مفتي الديار المصرية من الترنسفال، أحدِ أقاليم اتحاد جنوب إفريقيا، استفتاءٌ ذو ثلاث شعب، من أحد المسلمين هناك، وقد كان السؤالان الأولان:

1 -

حكم لبس المسلم القبعة، لأن كثيراً من أفراد الناس في الترنسفال يلبسون القبعات لبعض مصالحهم، وعود الفوائد إليهم.

2 -

حكم أكل الموقوذة، ونحوها من ذكاة أهل الكتاب، لأن ذبح نصارى هذه البلاد مخالف للذكاة الشرعية عندنا، فهم يضربون البقر بالبلطة ثم يذبحونها بغير تسمية، وكذلك يذبحون الغنم بغير تسمية.

وذهب الأستاذ الإمام محمد عبده في إجابته عن السؤال الأول إلى أن لبس القلنسوة إذا لم يقصِد فاعلُه الخروجَ عن الإسلام والدخولَ في دين غيره لا يعدّ مكفّراً، وإذا كان اللباس لحاجة من حجب الشمس، أو دفع مضرة أو مكروه، أو تيسير مصلحة لم يكره ذلك لزوال التشبّه (1).

وقال في الإجابة عن السؤال الثاني: يجوز أكل ذبيحتهم تلك، لعموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2)، ولأن الله سبحانه حين أباح لنا طعامهم كان أعلمَ بحالهم ونوع ذكاتهم (3)،

(1) محمد رشيد رضا. تاريخ الأستاذ الإمام: 1/ 676.

(2)

المائدة: 5.

(3)

محمد رشيد رضا. تاريخ الأستاذ الإمام: 1/ 676 وما بعدها.

ص: 431

ويدل هذا على أن ذبائح أهل الكتاب حلال عند جماهير المسلمين، وإن لم يكن ذبحها على الطريقة الإسلامية (1).

ووَجَدَت هذه الفتوى معارضةً شديدة من بعض شيوخ العصر. وانقسم الناس حولها، وتحوّل الأمر من استفتاء يجيب عنه رجل مختصّ منتصب رسمياً لإرشاد الناس وبيان أحكام الدين لهم، إلى قضية خلاف ونزاع يبالغ في إنكار وجه الحكم فيها عليه خصومُه من المحافظين المتشدّدين يتّهمونه في دينه وعلمه، ومن السياسيين للنيل من سمعته والتحقير له، وهو زعيم الإصلاح بمصر، ورائد التحرّر الفكري، الداعي إلى الاجتهاد الذي يضطلع به بوصفه أكبر أعلام الأزهر الشريف، ومفتي الديار المصرية يومئذ.

وبتدخّل من ملك مصر الخديوي عباس، والتآمر بين رجال الحزب الوطني على المفتي، انقسم الناس واختلفت الصحف المصرية ووسائل الإعلام، بين مواجهة للمفتي، مندِّدة به، ومتحاملة عليه كالظاهر واللواء والمؤيد، وبين مناصرة ومؤيدة له، ومدافعة عنه كالأهرام والمقطم والمنار والوطن اليومية، أو التمدن والنيل والممتاز والرائد العثماني.

واشتهرت هذه الفتوى في ربوع العالَمين العربي والإسلامي، كما كانت سبباً في إثارة السياسيين والفقهاء عليه. فحمل هذا عدداً كبيراً من العلماء على إعادة النظر فيها، والتنبيه إلى أصولها ومراجعها التي اعتمد عليها الإمام.

وكان من بين أنصاره ومؤيديه في ذلك جماعة من علماء

(1) محمد رشيد رضا. تاريخ الأستاذ الإمام: 1/ 678.

ص: 432

الأزهر، نشر لهم الشيخ محمد رشيد رضا مقالاً بعنوان إرشاد الأمة الإسلامية إلى أقوال الأئمة في الفتوى الترنسفالية. ومن بين أفراد هذه الجماعة الشيخ أحمد أبو خطوة، والشيخ سعيد الموحي، وشيخُ رواقِ الحنابلة، وعدد من علماء المغرب العربي منهم الشيخ المهدي الوزاني كبير علماء فاس (1)، وأحد أعلام تونس الإمام الأكبر محمد الطاهر ابن عاشور (2) الذي لم ينشغل عن فتوى الأستاذ الإمام، بل وقف موقف المحلل لها، المؤيّد لمضمونها بما كتبه فى المسألتين قائلاً فيهما:

أما لباس القلنسوة فحسبهم من حيث التقليد أن الفقهاء ما قالوا: إن لبس أي شيء من ثياب الكفار غير موجب للرِّدّة إلا أن يكون ذلك اللباس لباساً دينياً حيث تنضم إليه قرائن تفيدُ كثرتُها قطعاً بأن صاحبه انفسخ عن الدين (3).

وأما المسألة الثانية المتعلّقة بذبائح أهل الكتاب فهي ماضية بجملة من الأدلة:

1 -

سبقَ أئمةُ المالكية إلى القول بمثل ذلك. فهذا ابن العربي صاحب كتاب أحكام القرآن يقول في تفسيره لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} : إن الله سبحانه قد أذن في طعامهم، وقد علم أنهم يسمّون غيره على ذبائحهم، ولكنهم لمّا تمسّكوا بكتاب الله، وعلِقوا بذيل نبي، جعلت لهم حرمة على أهل الأنصاب. والتسمية عند بعض الشَّافعية ليست بشرط، وإن سمى النصراني الإله حقيقة لم

(1) محمد رشيد رضا. التاريخ: 1/ 674؛ تفسير المنار: 6/ 205.

(2)

محمد رشيد رضا. تاريخ الأستاذ الإمام: 1/ 716.

(3)

محمد رشيد رضا. تاريخ الأستاذ الإمام: 1/ 676 وما بعدها.

ص: 433

تكن تسميته على شرط العبادة، والتسمية على غير وجه العبادة لا تعقل وظن بعضهم أن أكل طعامهم رخصة. والرخصة حلّ تأصّل في الشريعة الإسلامية، فلا يقف على موضعه، بل يسترسل على محصّله كلها، كسائر الأصول في الشريعة، ثم قال ما محصّله: واختلاف تذكيتهم، التي يجيزها أحبارهم ورهبانهم، عن الذكاة الشرعية عندنا لا يمنع من أكل ذبائحهم، لأن الله تعالى أباح طعامهم مطلقاً، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه (1).

2 -

بنى الشيخ ابن عاشور هذه الفتوى على عموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ

} الآية، في حمله على كل ما ذبحوه، ممّا أحل الله لهم أو حرّمه الله عليهم أو حرّموه على أنفسهم، وهو ما ذهب إليه ابن عباس وتبعه عليه أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم وعبد الله بن وهب (2). ونقل بهرام عن ابن وهب جواز أكل ما ذبح للصليب أو غيره من غير كراهة نظراً إلى أنه من طعامهم (3).

3 -

الأخذ بما قرّره الحنفية في أصولهم من أن العام الوارد بعد الخاص يكون ناسخاً له، وعموم طعام أهل الكتاب وارد بعد ذكر المحرمات، فيشبه أن يكون وروده مورد النسخ بعد النص.

4 -

جعل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} معطوفاً على آية: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} من باب عطف الجملة على الجملة، وفيه دليل على أن طعام أهل الكتاب حلال متى لم يكن على

(1) ابن العربي. تفسير الأحكام: 2/ 553 - 556.

(2)

تفسير المنار: ج 6، ص 203.

(3)

تفسير المنار: 6/ 207.

ص: 434