الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجرجاني والأصمعي وابن الأثير وأضرابهم، وعلى أثر ذلك يمضي في تحليل الشواهد ونقد ما يتعرّض له من نثر وشعر، كاشفاً عن آرائه النقدية وذوقه الفنّي في كل ما يتقدّم به من تعاليق وملاحظات.
2 - موجز البلاغة
ظهر هذا الكتاب سنة 1932 أي بعد صدور سابقه بعشر سنين. ولعله كان من مؤلَّفه تطبيقاً لمنهجه النقدي للعلوم عندما تناول فن البلاغة وما كتب فيه من مصنفات تُدرّس للطلاب بالجامع الأعظم. فالطلاب بالزيتونة كانوا قبل تأليفه ونشره يعكفون في السنة الثالثة للمرحلة الأولى من التعليم على السمرقندية. وهي رسالة الاستعارات لأبي الليث السمرقندي، وتُعتبر زبدة مستخلصة من تحقيقات المطول والمفتاح يتغذون بها، ثم يتناولون مختصر التفتازاني (السعد على المفتاح) وبعض الشروح الأخرى. وفي ابتدائهم شوط، وفي انتقالهم طفرة. وتلك هي الحال التي مررنا بها وعشناها بين عرصات معهدنا.
وربما تعلّقت الهمة لدى كبار الطلاب بالرجوع في هذا الفن إلى ما يحسبونه أجدى وأقرب، وأكثرَ اتصالاً بفنون اللغة والأدب الأخرى. فكنا نطلب بعض هذه المباحث في وجوه الإعجاز عند المفسرين، وفي كتب الشعر والنثر، وفي محاضرات الأدباء عند المتقدّمين. وقد ظفرنا بجملة من قواعد هذا العلم وما يتصل بها من مدارك وأذواق مفرقة ومنثورة بين العديد من الكتب، مثل مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، ومعاني القرآن للفراء، ونظم القرآن للجاحظ، والبيان والتبيين له. وربما بعدت بنا النجعة فانتقلنا إلى كتاب سيبويه نطلب ذلك عنده أو إلى مسائل البلاغة عند الزمخشري في الكشاف.
وفي التأريخ لهذا العلم يذكر الشيخ ابن عاشور أن علم البلاغة لم يخصّ بالتأليف إلا في أواخر القرن الثالث الهجري بوضع ابن المعتز لكتاب البديع، ثم جاء الجرجاني بمؤلفيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، وقفاهما السكاكي، فصنع كتاب مفتاح العلوم في علوم العربية وأودع القسم الثالث منه بحث الفنون الثلاثة: المعاني والبيان والبديع (1).
ونبّه الشيخ ابن عاشور إلى أهمية هذا العلم عند تعريفه له بقوله: "هو العلم بالقواعد التي بها يعرف أداء جميع المراد بكلام ذي أساليب خاصة واضحة مع ما يعين على قبوله. وذلك بتوفيته خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها، وإيداع المحسنات بلا تكلّف، مع فصاحة الكلام والحذر من العيوب العارضة كالتنافر والغرابة ومخالفة أحكام الإعراب"(2).
وقد حمله هذا كله على وضع كتابه موجز البلاغة، مريداً بذلك تقوية العلوم اللغوية والأدبية لدى الطلاب، وتقديم ما ينفعهم من المسائل، ممهِّداً بصنيعه هذا إلى دراسة الكتب الواسعة في هذه المادة. ولقد عَنَى هذا بقوله: فرأيت أن أضع لهم مختصراً وجيزاً يلمّ بمهمات علم البلاغة، ليكون لهم كالمقدمة لمزاولة دروس مختصر التفتازاني. وضعت هذا المختصر وضع من يقصد إلى تثقيف طلبة هذا العلم بالمسائل النافعة المجرّدة عن المباحث الطفيفة في شؤون البلاغة الثلاثة من المعاني والبيان والبديع (3).
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. موجز البلاغة: 6.
(2)
المرجع السابق: 5 - 7.
(3)
محمد الطاهر ابن عاشور: موجز البلاغة: 3.