الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاصي. وقد أنكر هذا التأويل مجاهد حين تتبع تفسير آية النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (1) بأن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم خالداً فيها، فقال معقباً عليه: إلا من ندم (2).
* * *
السادس:
1 -
ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال:"لمّا مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحِجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين. ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي"(3).
2 -
ثنا ابن بكير، عن مالك، عن عبد الله بن عمر، عن عمر:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحاب الحِجر: لا تدخلوا على هؤلاء القوم (المعذَّبين) إلا أن تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم"(4).
3 -
ثنا محمد، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحِجر: قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أن يصيبكم ما أصابهم، ثم تقنَّع بردائه وهو على الرحل"(5).
4 -
ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا معن، ني مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحاب
(1) النساء: 93.
(2)
النظر الفسيح: 167.
(3)
64 كتاب المغازي، 80 باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر. خَ: 5/ 135.
(4)
64 كتاب المغازي، 80 باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر. خَ: 5/ 135.
(5)
60 كتاب الأنبياء، 17 "باب وإلى ثمود أخاهم صالحاً"، ح 4. خَ: 4/ 121.
الحِجر: لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين. فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم" (1).
جمع المؤلف، في تعليقه على حديث باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، جملة من روايات الحديث، رتبها على فقرتين:
الفقرة الأولى: تتناول روايةَ عبد الرزاق ورواية يحيى بن بكير، ورواية عبد الله بن المبارك.
والفقرة الثانية: مقصورة على رواية واحدة له هي رواية معن.
وتعرض الشيخ رحمه الله في الفقرة الأولى إلى ثلاث مسائل، الأولى ما يلاحظ في الروايات الثلاث من تقديم وتأخير لبعض ألفاظه على بعض، والثانية في تحرير القول في معنى النهي عن دخول الحجر ووجهه، الثالثة تأويل آخر للحديث.
المسألة الأولى: في بيان موقع "باكين" في رواية عبد الرزاق لحديث الباب. قال: "أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين". والظاهر أن جملة "أن يصيبكم" مقدمة من تأخير وذلك للاهتمام، وأن محلَّها التأخير عن باكين لأن "أن يصيبكم" متعلق بباكين، والمتعلق به مقدم. وتشهد لهذا الروايات الثلاثُ الأخرى للحديث. ففي رواية يحيى بن بُكير وردت الجملة على هذا النحو:"إلا أن تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم" وفي رواية ابن المبارك: "إلا أن تكونوا باكين يصيبكم"، وكذلك في رواية معن:"إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم".
(1) 65 كتاب التفسير بسورة الحجر 15، 2 باب:"ولقد كذب أصحاب الحجر". خَ: 5/ 221.
المسألة الثانية: إن النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا ليس على إطلاقه. والحالة التي يجوز فيها الدخول هي حالة الاتعاظ والاعتبار والبكاء، والشعور بالضراعة والخشوع، كما يدل على هذا قوله جل وعلا:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (1). فإن كانت هذه هي الحالة المطلوبة عند دخول الحجر أو نحوه من مساكن المعذَّبين الذين ظَلَموا، فهي تقتضي عدم جواز الدخول لمن كان هازئاً أو آسفاً على أهل تلك المساكن. وهذا من عادات الجاهلية، يشهد له قول ابن سوادة:
وماذا بالقليب قليب بدر
…
من الشيزى تَزيَّنُ بالسَّنام
وماذا بالقليب قليب بدر
…
من القينات والشرب الكرام (2)
المسألة الثالثة: أن يكون معنى قوله في الحديث: أن يصيبكم؛ تعليقاً للنهي عن دخول الديار ويكون "إلا أن تكونوا باكين" استثناء لحالة الترخيص في الدخول.
وخصَّ المؤلف الفقرة الثانية من تعليقه بذكر رواية معن للحديث، والإشارة إلى ما تميّزت به في نظمها من تقديم وتأخير يظهر بينها وبين بقية الروايات. والأصل أن مجرد الدخول لتلك الديار لا يصاب فاعلوه بما أصاب أهليها من العذاب، لأنّهم لم يرتكبوا ما ارتكبه الظالمون من الجرم.
ورواية معن أَبينُ وأخفُّ من رواية سالم عن ابن عمر. والحديث ينظر إلى قول الله تعالى: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} (3) وهذا من غضب الله عليهم إذ قدر أن تكون
(1) الإسراء: 109.
(2)
لسان العرب: مادة ش ي ز.
(3)
القصص: 58.