الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وترجِّح روايةَ القعنبي خمسة أمور:
أولها: أن من شأن أهل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرصَ على الاستفادة. واحتمال - كون المراد اختبار تنبّههم - لم يحك الراوي ما يقتضيه.
ثانيها: أن المقام مقام تبشير وترغيب. فلا يظنّ أنّ الرجل قال: "لا تخبرنا" بسبب ما تأوّله ابن حبيب فيما حكاه الزرقاني عن الباجي عنه.
ثالثها: أن السكوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلّ مرّة كان بقصد التشويق للخبر.
رابعها: أن سكوت بقية الحاضرين عن الرجل بينهم في مراجعته دليل على أن هذا الرجل كان سائلاً عمّا فيه رغبة جميعهم.
خامسها: أن رجلاً بجنب السائل أسكته خشية أن يكون فيما يفعله إلحاح لا يتناسب ووقت اختيار الرسول الإعلام بذلك.
أما وجه الجمع بين الروايتين فيكون بسبب تحديث الراوي بقول أحد الحضور في المجلس، فحدّث الراوي بقول هذا مرّة، وبقول الآخر مرّة أخرى، فتكون كلتا الروايتين مما حدّث به مالك أو زيد بن أسلم أو عطاء (1).
الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح
.
هذا الكتاب هو صنو كشف المغطّى في نوعه ونهجه ومادته
(1) كشف المغطَّى: 377 - 379.
ومسائله. ولئن كان الكشف تعليقات وإفادات بعد مراجعات وتحقيقات لموطأ الإمام مالك، فإن الثاني مثله تعليقات وإفادات هي نتيجة لمراجعات وتحقيقات قام بها المؤلف في كتاب الجامع الصحيح للإمام البخاري.
وهذان الكتابان، الموطأ والجامع الصحيح، أكثر كتب السنة انتشاراً، وخاصة في البلاد المغربية بين الشيوخ والطلاب بجامع الزيتونة، وبين الفقهاء والمتعلمين بجامع القرويين.
والأول منهما فيه، مع ما دوّن به من أحاديث صحيحة: فقهٌ وأحكام وفتاوى. فهو الأصل الذي تخرّج عليه المالكية في مختلف الديار، بجانب ما يروونه من مسائل تضمّنتها المدوّنة المروية عن ابن القاسم عن الإمام مالك.
والثاني: هو أهم كتب الصحاح، وأولها بين المحدّثين تكوّنت به كما تكوّنت بنظيره مدرسة علمية معروفة المعالم، ملموسة النتائج. وفي تمهيده أو خطبته بعد حمد الله مستحِق الحمد ووليَّه، جماعُ ما أراد المؤلف الإشارة إليه بطريقة موجزة وملهمة. وتلك هي خاصية الكتابين.
عرّف الإمام فيها بصحيح البخاري مشيداً ومنوّهاً، واصفاً عناية علماء المسلمين به بقوله: "وقد انصرفَتْ عناية علمائنا إلى إيضاح معانيه، ومتابعة أغراضه، انصرافاً لا يعرف له نظير فيما صرفوا إليه الهمة من غيره حتى أغنوا الناظر، وشرحوا الخاطر، وعقدوا للعلم الأواصر. ولم يكن ما وضعه الإمام الأكبر بتأليفه هذا بقصد المسابقة أو المعارضة للشراح المتقدّمين، ولكنها آراء تخطر وملاحظات تظهر، وهو ماضٍ في رواية الصحيح، فتستوقف طَرَف الطَّرْف، وتستحث بياناً لذلك الحرف.
فرأى صاحب التعليق تدوين ما حضره من خواطر بلمحات تدل الأريب، ولا يحار في توسّعها الرأي المصيب، تفادياً من التطويل، وإبقاء على الناظر صاحب الرأي الأصيل. وكانت طريقته في النظر الفسيح اجتناب تكرار التعاليق التي دوّنها في كشفه، ووضع الأحاديث والتعليقات مواضعها فيما تكرر وروده من ذلك في كتاب الجامع.
فهو يتولّى الحديث بالشرح والتحرير في الباب الذي تتضمَّنُ معناه ترجمتُه، أو فيما هو مَظِنة لذكره فيه. ولا ينسى في آخر ديباجة الكتاب تقدير ما وقف عليه من الفوائد في كتاب المشارق لعياض وتضمين قدر منها في تقريراته. ثم هو بحكم تتبعه لكتب الجامع وأبوابه يجري على نسقه ولا يخالف ترتيبه. ويذكر ما يعنّ له من المسائل في محالها منه.
وإذا كانت جملة أحاديث البخاري قد بلغت نحواً من 2761 من الأحاديث الموصولة من غير المكررات والشواهد، فإن النظر الفسيح قد توقّف فيه المؤلف عند ستة وعشرين وأربعمائة موضع. اخترنا منها، للتعرّف على إفادته وتحريراته وضبطه وتقريراته، عشرة مواضع اعتبرناها كفيلة بتصوير طريقته. وقد وردت هذه المسائل في أحاديث عرضت فيها أو دلت عليها الموضوعات التي أراد الشيخ الوقوف عندها:
* الأول: المقدمة التي وضعها المؤلف بين يدي كتاب التفسير.
* الثاني: من كتاب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* الثالث: من باب كتابة الإمام للناس من كتاب الجهاد والسير.