المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌دعاة التجديد في البلاد العربية ‌ ‌رفاعة الطهطاوي أما التيار الأول فعنوانه فتى - مقاصد الشريعة الإسلامية - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌رموز وإشارات

- ‌تقديمسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلاميةفي دولة قطر

- ‌تصدير

- ‌المقدمة

- ‌التعريف بالإمام الأكبر:

- ‌أ- التعريف بعصر الإمام:

- ‌ب - الأسرة العاشورية:

- ‌ج - حركة الإصلاح الشامل:

- ‌د - جوانب الإصلاح:

- ‌أسباب الإصلاح:

- ‌وضع التعليم في الزيتونة:

- ‌عوارض التأليف والتعليم:

- ‌القسم الأولحركة التجديد في بلادي المشرق والمغرب

- ‌المجتمع الإسلامي الجديد وبناؤه

- ‌دعاة التجديد في البلاد العربية

- ‌رفاعة الطهطاوي

- ‌من دعاة الإصلاح والتجديد بالمشرق والبلاد العربية

- ‌1 - السيد جمال الدين الأفغاني

- ‌2 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌3 - السيد محمد رشيد رضا

- ‌4 - الأمير شكيب أرسلان

- ‌بدء النهضة الفكرية بتونس وبلاد المغرب

- ‌1 - السيد خير الدين باشا

- ‌2 - أحمد بن أبي الضياف

- ‌3 - محمود قابادو

- ‌أعلام الزيتونة

- ‌1 - محمد الطاهر ابن عاشور الجد

- ‌2 - محمد العزيز بوعَتُّور

- ‌3 - الشيخ سالم بوحاجب

- ‌عمل الشيخ سالم في التدريس:

- ‌القسم الثانيشيخ الإسلام شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور

- ‌نسبه وولادته:

- ‌التحاقه بالجامع الأعظم:

- ‌شيوخه:

- ‌حصوله على شهادة التطويع:

- ‌دراسته العليا:

- ‌الإجازات العلمية:

- ‌تجربته في التدريس ونقده الذاتي لمنهجه فيه:

- ‌درجاته العلمية وعمله في التدريس:

- ‌الوظائف الإدارية:

- ‌الوظائف القضائية الشرعية:

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌القسم الثالثحركات الإصلاح في ربوع المشرق والمغرب

- ‌حركة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم

- ‌صدمة الاحتلال:

- ‌يقظة الشعب:

- ‌ترتيبات خير الدين:

- ‌من رواد الإصلاح: محمد البشير صفر، رئيس الجمعية الخلدونية:

- ‌طلبة الجامع الأعظم

- ‌الشيخ ابن عاشور والإصلاح:

- ‌حركات إصلاح التعليم في القرن 14/ 20 في ربوع المشرق والمغرب:

- ‌1 - الأستاذ الإمام محمد عبده

- ‌2 - الأستاذ محمد كرد علي

- ‌3 - الشيخ محمود شكري الآلوسي

- ‌4 - محمد بن الحسن بن العربي الحجوي

- ‌5 - الشيخ عبد الحميد بن باديس

- ‌6 - الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

- ‌القسم الرابعإصلاح التعليم الزيتوني في نظر الإمام

- ‌تمهيد:

- ‌شروط القيام بالإصلاح:

- ‌التذكير بأمجاد الزيتونة:

- ‌ما آل إليه التعليم بالجامع الأعظم:

- ‌غايات التعليم الزيتوني وأهدافه:

- ‌الترتيب الصادقي 1292/ 1875، عرضه ونقده:

- ‌نظام التعليم سابقاً بجامع الزيتونة:

- ‌عناصر نظام التدريس:

- ‌أولها: التعليم بالجامع ليس بالضرورة أن يكون محدداً من طرف الإدارة:

- ‌ثانيها: طريقة اختيار الدروس وتعيينها:

- ‌أوقات الدروس بالجامع:

- ‌التدريس والدراسة:

- ‌المدرسون:

- ‌الطلاب:

- ‌الامتحانات:

- ‌امتحان التطويع:

- ‌العطل والإجازات:

- ‌المطلب الأول: الكتب والمصنفات المقررة للدراسة:

- ‌أغراض التأليف:

- ‌التأليف بعد القرن السادس:

- ‌الاعتماد على النقل أساساً:

- ‌المحافظون المقلِّدون:

- ‌تحرير الموقف من العلماء السابقين:

- ‌المطلب الثاني: عيوب التأليف:

- ‌بعض كتب المرحلة الابتدائية:

- ‌الاضطراب والاختلاط:

- ‌من اختلاط المسائل:

- ‌سير حركة التأليف في العلوم الإسلامية ونقد كتب التدريس:

- ‌المطلب الثالث: العلوم:

- ‌ملاحظات حول طلاب العلم:

- ‌الأسباب العامة لضعف التعليم وتأخر العلوم:

- ‌ الأسباب الاجتماعية:

- ‌ الأسباب المنهجية:

- ‌أحوال التأليف والتصنيف:

- ‌الدروس الأساسية للتعليم بجامع الزيتونة، وبيان طريقة المؤلف في نقد العلوم المقررة:

- ‌أ - من علوم المقاصد

- ‌1 - علم التفسير

- ‌كلمة عن المفسرين:

- ‌2 - علم الحديث

- ‌أسباب الأخلال في علم الحديث:

- ‌3 - علم الفقه

- ‌تأخر العلوم الفقهية وأسبابه:

- ‌4 - علم أصول الفقه

- ‌وضع علم أصول الفقه:

- ‌5 - علم الكلام

- ‌العقيدة الإسلامية ومدارس علم الكلام

- ‌ب - من علوم الوسائل

- ‌أسباب تدهور العلوم اللسانية

- ‌الأدب

- ‌علوم العربية: النحو والصرف

- ‌تأخّر علوم العربية وأسبابه

- ‌علم البلاغة

- ‌ج - العلوم المساعدة

- ‌العلوم الإنسانية

- ‌علم المنطق

- ‌علم التاريخ

- ‌العلوم الفلسفية والرياضية

- ‌العمل الإصلاحي للتعليم بالزيتونة

- ‌شروط القائمين على إصلاح التعليم

- ‌عودة الإمام الأكبر إلى مشيخة الجامع الأعظم

- ‌الخطاب المنهجي للإمام الأكبر

- ‌الجهود الإصلاحية

- ‌التعاون العلمي والعملي بين الزيتونة والخلدونية:

- ‌زرع المُعَوِّقات وإقامة العقبات في وجه الإصلاح:

- ‌القسم الخامسمؤلفات الإمام الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌مؤلفات شيخ الإسلام الإمام الأكبر:

- ‌ العلوم الشرعية

- ‌التحرير والتنوير

- ‌السيرة النبوية الشريفة:

- ‌مقالات الإمام الأكبر في السيرة والشمائل:

- ‌قصة المولد:

- ‌السُّنَّة:

- ‌تآليف الإمام الأكبر في السُّنة:

- ‌المطبوع من المقالات في السُّنة:

- ‌ومن المخطوط من المقالات:

- ‌البحوث في الحديث:

- ‌القسم الأول: من هذه البحوث وهي خمسة:

- ‌1 - درس في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه

- ‌2 - ومن البحوث: من يجدّدُ لهذه الأمة أمر دينها

- ‌3 - تحقيق مسمى الحديث القدسي

- ‌4 - نشأة علم الحديث والتعريف بموطأ الإمام مالك:

- ‌5 - حديث: "شفاعتي لأهل الكبائِر من أُمتي

- ‌القسم الثاني: تنبيه على جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وفيه أربعة عشر حديثاً:

- ‌1 - التنبيه على أحاديث ضعيفة أو موضوعة رائجة على ألسنة الناس

- ‌2 - الأسانيد المريضة الرواية في حديث "طلب العلم فريضة

- ‌3 - مراجعة ونقد الإمام الأكبر لكتاب فتح الملك العلي بصحّة حديث: باب مدينة العلم علي، لأبي الفيض أحمد بن صديق الغماري:

- ‌4 - حديث أولية خلق النور المحمدي:

- ‌5 - الآثار المروية في مجيء المهدي:

- ‌تفصيل القول في طُرق الأحاديث:

- ‌كُتُب الإمام الأكبر في السّنة:

- ‌الكتاب الأول: كشف المغطّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطّا

- ‌أمثلة تحدِّد منهج الإمام مالك في الموطأ:

- ‌الكتاب الثاني: النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

- ‌الأول: مقدمة كتاب التفسير في البخاري

- ‌الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌الثالث: حديث حذيفة رضي الله عنه

- ‌الرابع: حديث أنس رضي الله عنه

- ‌الخامس: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة

- ‌السادس:

- ‌السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

- ‌الثامن: حديث عائشة رضي الله عنها

- ‌التاسع: من حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه

- ‌العاشر: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌أصول الفقه والفقه والفتاوى

- ‌جملة من موضوعات ما حرره الإمام من هذه المادة:

- ‌قائمة فيما حرره الإمام من مقالات مختلفة:

- ‌مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌الفقه والفتاوى

- ‌1 - الموقوذة

- ‌2 - موقع الوقف من الشريعة الإسلامية

- ‌3 - الصاع النبوي

- ‌4 - زكاة الأموال

- ‌5 - حكم زكاة الأوراق النقدية

- ‌6 - زكاة الأنعام

- ‌7 - زكاة الحبوب والأموال

- ‌8 - الإرث

- ‌9 - مقال بعنوان لا صفَر

- ‌10 - شهرا رجب وشعبان

- ‌من فتاوى المجلة الزيتونية، وعددها ثمانية عشر:

- ‌تحليل بعض هذه الفتاوى، وبيان ما قارنها من مواقف وصفات:

- ‌1 - الفتوى الترنسفالية(حكم أكل الموقوذة ولباس القبعة)

- ‌2 - ثبوت دخول الشهر شرعاً، وتوحيد المواسم الدينية

- ‌الفتوى الأولى:

- ‌الفتوى الثانية:

- ‌توقيت فريضة الصوم:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌3 - حكم قراءة القرآن عند تشييع الجنازة وحول الميت وحول قبره عند دفنه

- ‌4 - إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية

- ‌5 - وجهُ تحريم وصل الشعر أو الباروكة

- ‌6 - تعدد الزوجات

- ‌7 - حكم التجنس أو فتوى التجنيس

- ‌8 - الإفطار في رمضان

- ‌علوم الوسائل: علوم اللغة والعربية والبلاغة والأدب

- ‌عيّنات من المادّة اللغوية:

- ‌1 - الملائكة

- ‌2 - المال

- ‌3 - السِّلْم

- ‌مسائل نحوية:

- ‌1 - اسم الإشارة: (ذلك)

- ‌2 - البدل وعطف البيان

- ‌3 - كاد: فعل مقاربة

- ‌أمثلة في الاشتقاق والبلاغة والاستعمال والأسلوب:

- ‌1 - الاسم

- ‌2 - العالَم

- ‌3 - الصراط

- ‌ثلاث ملاحظات:

- ‌1 - تقديم الأهميّة العارضة على الأهميّة الأصلية في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}

- ‌2 - المستقيم

- ‌3 - الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}

- ‌من تآليف الإمام في اللغة:

- ‌1 - شرح الاقتضاب

- ‌2 - غرائب الاستعمال

- ‌3 - اللفظ المشترك

- ‌4 - أخطاء الكتاب في العربية

- ‌5 - تصحيح أخطاء وتحاريف في اللغة العربية في طبعة "جمهرة الأنساب" لابن حزم

- ‌6 - استعمال لفظ "كل" بمعنى الكثرة

- ‌ففي مجال علوم العربية:

- ‌وفي علوم البلاغة:

- ‌1 - أصول الإنشاء والخطابة

- ‌2 - موجز البلاغة

- ‌3 - الأمالي على دلائل الإعجاز للجرجاني

- ‌4 - التعليق على المطول بحاشية السيالكوتي

- ‌وفي الأسلوب مقالان:

- ‌1 - طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌2 - الجزالة

- ‌الآثار الأدبية:

- ‌قصيدة الأعشى الأكبر في مدح المحلّق

- ‌ديوان النابغة الذبياني

- ‌ديوان بشار

- ‌مع أبي الطيب في مكتبته

- ‌معجز أحمد واللامع العزيزي

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم وأبي محمد عبد الله الأصفهاني

- ‌البيت الخامس من الواضح

- ‌البيت السابع من الواضح

- ‌البيت الرابع عشر منه

- ‌عمل ابن عاشور في تحقيق الواضح

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن السراج

- ‌البيت الثامن والتسعون = الخامس عشر في الواضح

- ‌البيت الخامس عشر بعد الأربعمائة = الرابع والستون في الواضح

- ‌قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لأبي نصر الفتح بن خاقان

- ‌نسخ القلائد المخطوطة التي اعتمدها المحقق في المراجعة: خمس:

- ‌فهارس من نسخ "قلائد العقيان" للفتح ابن خاقان المعتمدة لدى المحقق

- ‌التراجم الزائدة من نسخة مشهد

- ‌شرح المقدمة الأدبية للإمام المرزوقي

- ‌ شعر أبي تمام واختياراته

- ‌الاختلاف بين مدرستي الألفاظ والمعاني:

- ‌عمود الشعر:

- ‌النقاد ومذاهبهم:

- ‌أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌إصلاح الفرد:

- ‌إصلاح الجماعة:

- ‌الأُخوة الإسلامية:

- ‌إصلاح العمل:

- ‌نظام سياسة الأمة:

- ‌مكارم الأخلاق:

- ‌المواساة:

- ‌حديثه عن منهجه:

- ‌ الفطرة

- ‌السماحة:

- ‌الحرية:

- ‌الوازع:

- ‌الإسلام حقائق لا أوهام:

- ‌ الحقائق

- ‌الاعتبارات:

- ‌الوهميات:

- ‌التخيّلات:

- ‌متعلقات الأعمال:

- ‌المساواة:

- ‌ حكومة الأمة

- ‌أبرز مقاصد الشريعة المعتمد عليها في إقامة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:

الفصل: ‌ ‌دعاة التجديد في البلاد العربية ‌ ‌رفاعة الطهطاوي أما التيار الأول فعنوانه فتى

‌دعاة التجديد في البلاد العربية

‌رفاعة الطهطاوي

أما التيار الأول فعنوانه فتى أزهري من تلامذة الشيخ الطُّلعة حسن العطار. كان يزعم أن بلاده لن تتغيّر أحوالها أو يوجد بها من المعارف ما ليس فيها. ولاعتقاده الجازم بذلك رشح فتاه لمحمد علي باشا للمشاركة في أول بعثة طلابية، سافرت إلى باريس سنة 1816، وجعله إماماً لها. وهكذا تسنّى لرفاعة الطهطاوي 1216 - 1290/ 1801 - 1873 أن يغادر البلاد المصرية، وعمره خمسةٌ وعشرون عاماً، وأقام بفرنسة خمس سنوات، أفاد منها أية إفادة: أتقن فيها اللغة الفرنسية، واكتشف أسرار النهضة والتفوق والتقدم والمدنية، وشعّ بمعارفه المكتسبة الجديدة ما يُغيّر به الحياة فيما حوله، ويدعو إلى بناء مجتمعات متطوّرة في بلاده وغير بلاده من أطراف العالم الإسلامي.

ولقد نظر مشدوهاً إلى المجتمع الجديد الذي احتضنه ضيفاً زائراً، وأدرك عن كثب ما بلغه ذلك المجتمع من مراتب البراعة في العلوم الرياضية والطبيعية. ثم قارن هذا الوضع بما كانت عليه البلاد الإسلامية من تعلّق بالعلوم الشرعية والعمل بها، وبالعلوم العقلية، مع إهمالها كُلِّياً للعلوم الحكمية وانصرافها عنها بجملتها (1). وهكذا تجلّت له الفوارق واتّضحت له النتائج. فالفرنجة إنّما قوِيت شوكتهم

(1) رفاعة رافع الطهطاوي. تخليص الإبريز: 8 - 9.

ص: 68

ببراعتهم وتدبيرهم ومعرفتهم في الحرابات واختراعهم فيها. وهذا ما ينعدم انعداماً كاملاً في مجتمعاتنا. فسائر تلك العلوم المعروفة معرفة تامة لدى الفرنجة مجهولةٌ بالكلية عندنا. ومن جهل شيئاً فهو دون من أتقنه، وكلما تكبّر الإنسان عن تعلّمه شيئاً مات بحسرته (1). وقد جعل القصد من دعوته هذه إلى الإصلاح حثُّ أهل ديارنا على استجلاب ما يكسبهم القوة والبأس من جهة، وما يؤهّلهم لإملائهم الأحكام من جهة أخرى (2).

وللتأكيد على ذلك كان يحاول مع مقارنته بين الوضعين القائمين أن يشير إلى الغايات الشريفة التي تتطلع إليها شعوب الأمة الإسلامية قاطبة. وهو لذلك - بعد سبر أغوار مجتمعات الفرنجة - يصدع بأن العلوم هي التي قادتهم إلى تحقيق التمدن. ويحثّ جميعَ الناس على الاشتغال بالعلوم، والفنون والصنائع النافعة. وبعد مناشدتهم التضحية وبذل الجهد، والمغامرة مع الكدّ والكدح - وهي شروط النهوض والتقدم لبلوغ أسنى المقاصد - يزيّن لهم ما وراء ذلك من غايات تتكفّل بها شريعتهم، ويوفّرها لهم نزوعهم إلى العلم العصري.

فالغاية الأولى التي ترفع من مكانة الأمة، وتجعلها أسوة لغيرها، هي كمال الأخلاق والفضائل الإنسانية المتوصل إليها بالآداب الدينيّة والتربية العالية السلوكية. وهي التي تصون الناس عن الأدناس وتَصرفُهم عن الأرجاس.

والغاية الثانية هي المنافع العمومية التي تعود على المجتمعات بالثروة والغنى وتحسين الحال وتنعيم البال، وتُبعدها عن الحالة الأولى الطبيعية (3).

(1) رفاعة رافع الطهطاوي. تخليص الإبريز: 155.

(2)

المرجع نفسه: 12.

(3)

المرجع نفسه: 7 - 8.

ص: 69

وقد انتشرت آراء الطهطاوي ودعوتُه في مختلف الأوساط، وخاصة بعد تولِّيه رئاسة مدرسة الألسن. وكان مما يمكّن له بين صحبه وأنصاره وتابعيه سعةُ معرفته بما صدر من مؤلفات في شتى أصناف العلوم خارج وطنه، واستيعابُه للفكر الفرنسي في القرن الثامن عشر، وإنتاجهُ الغزير المتمثل فيما أقبل عليه من تعريب لجملة من المؤلفات الجغرافية والتاريخية وفي العلوم العسكرية، وعنايتهُ بترجمة كتاب مونتسكيو: تأملات في أسباب عظمة الرومان وانحطاطهم.

ولئن كان تأثّر معاصريه به تأثراً مباشراً بوقوفهم على هذا الإنتاج الغزير أو جلوسهم إليه وارتباطهم به، فإن آراءه الإصلاحية قد عَبَرت حدود مصر، وانتشرت في الآفاق بانتشار كتابيه الجليلين المتميزين: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، ومناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية.

ولعل ممّا يفصح عن غرضه من تأليف الكتابين، ويحمل دعاة النهضة إلى الاقتباس منهما، قول جومار - أحدُ أساتذته - في تقريظه لكتابه الأول:"إن هذا التأليف يستحقُّ كثيراً من المدح. وإنه لمصنوع على وجه يكون به نفعٌ عظيم لأهالي بلد المؤلف. فإنه أهدى إليهم نبذاً صحيحة من فنون فرنسة وعوائدها وأخلاق أهلها وسياسة دولتها. ولمّا رأى أن وطنه أدنى من بلاد أوروبة في العلوم البشرية والفنون النافعة أظهر التأسفَ على ذلك، وأراد أن يوقظ بكتابيه أهل الإسلام، ويُدخل عندهم الرغبةَ في المعارف المفيدة، ويولِّد عندهم محبة تعلم التمدن الإفرنجي والترقّي في صنايع المعاش. وما تكلّم عليه من المباني السلطانية والتعليمات وغيرها أراد أن يذكّر أهالي بلده بأنه ينبغي لهم تقليد ذلك"(1).

(1) رفاعة رافع الطهطاوي. تخليص الإبريز: 155.

ص: 70

ولقد نطق أستاذه حقاً وقال صدقاً، لا لما كان يعرفه من تفكيره، ويتصوّره من تصرّفاته وتطلّعاته، ولا لما تركته آراؤه وأفكاره ودعوته وتوجيهاته من أثر في الشباب من حوله، ولا في المحيط الفكري الجديد الذي تمكّن من إيجاد ما به من تفاعل ونفخ للروح الإصلاحية فيه، وإنما كان ذلك لما وجده في أقواله وكتابته من التزام بهذا المنهج، وعزم وإصرار على إقراره ودعمه. فلم تثنه مواقف المعارضة من الشيوخ القائمين على حماية التراث والملتزمين بما نشأوا عليه من علوم ومناهج ولكنه واجهها مواجهة شجاعة في تبصّر وحكمة، مبيّناً أحوال هذا العصر ومقتضياته وتطوّراته ومتطلّباته، معلناً أن المعارف الآن سائرة سيرة مستجدّة في نظريات العلوم والفنون الصناعية التي هي جديرة بأن تسمّى بالحكمة العملية والطرق المعاشية.

ومع هذا فلم يزل التشبّث بالعلوم الشرعية والأدبية ومعرفة اللغات الأجنبية، والوقوف على معارف كل مملكة ومدينة بما يكسب الديار المصرية المنافع الضرورية، ومحاسن الزينة؛ فهذا طراز جديد في التعلّم والتعليم، وبحث مفيد يضمّ حديث المعارف الحالية إلى القديم، وهذا من بدائع النظْم. وإذا أخذ الطهطاوي حقه من حُسن التدبير والاقتصاد فيه فإنه قد استحق مرتبة التعظيم .. ولا ينبغي لأبناء الزمان أن يعتقدوا أن زمن الخَلَف تجرد عن فضائل السلف، وأنه لا ينصلح الزمان إذ صار عرضة للتلف. فهذا من قبيل البهتان. فالفساد لاعتقاد ذلك لا لفساد الزمان، قال الشاعر:

نَعيب زماننا والعيب فينا

وما بزماننا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمانَ بغير عيب

ولو نطق الزمان بنا هجانا

* * *

ص: 71